تُعد الأمثال موروثًا ثقافيًّا للشعوب، فلكل شعب أمثاله التي تعبر عن حياته المعيشة. وتكون الأمثال جملة قصيرة رنانة؛ ما يجعلها سهلة الحفظ ثم ذيوعها وتداولها، وتحمل كثيرًا من الحِكم والعِبر في طياتها؛ وهذا ما يجعل الناس يعشقون هذا النوع من الأدب. ولكل مثل مورده الأصل الذي يكون قصة أو حدث أو تجربة ما. ومن الأمثال العربية الذائعة والشائعة المثل المشهور "وافق شن طبقة". فما قصة هذا المثل؟
قصة هذا المثل مختلف فيها. فقد قال الأصمعي: هم قوم كان لهم وعاء من أدم فتشنن، فجعلوا له طبقًا، فوافقه، فقيل وافق شن طبقة. وقيل طبقة قبيلة من إياد وقع بها شن بن أقصى، فانتصف منها وأصابت منه فصار مثلًا للمتفقين في الشدة وغيرها.
والقصة المشهورة لهذا المثل ما قاله الميداني في كتابه مجمع الأمثال. قَالَ الشرقي بن القطامي: كان رجل من دُهاة العرب وعُقَلَائهم يُقَال له شَنٌّ، فَقَالَ: والله لأَطُوفَنَّ حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها، في حين هو في بعض مَسِيره إذ وافقه رَجُلٌ في الطريق، فسأله شَنٌّ: أين تريد؟ فَقَالَ: موضعَ كذا، يريد القرية التي يَقْصِدها شَنٌّ، فرافقه، حتى إذا أخذا في مسيرهما قَالَ له شَنٌّ: أتحْملُنِي أم أحْمِلُكَ؟ فَقَالَ له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟ فسكتَ عنه شَنٌّ وسارا حتى إذا قَرُبا من القرية فإذا بزَرع قد استَحْصَد، فَقَالَ شَنٌّ: أترى هذا الزرع أُكِلَ أم لَا؟ فَقَالَ له الرجل: يا جاهل ترى نَبْتًا مُسْتَحْصِدًا فتقول أُكِلَ أم لَا؟ فسكَتَ عنه شن حتى إذا دخلَا القرية لَقيَتْهما جنَازة فَقَالَ شن: أترى صاحبَ هذا النَّعْشِ حيًّا أم ميتًا؟ فَقَالَ له الرجل: ما رأيتُ أجْهَلَ منك، ترى جنَازة تسأل عنها أمَيْتٌ صاحبُها أم حي؟
فسكت عنه شَن، وأراد مُفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله فمضى معه، فكان للرجل بنت يُقَال لها طَبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضَيفه، فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جَهْلَه، وحدثها بحديثه، فَقَالَت: يا أبتِ، ما هذا بجاهل، أما قوله: "أتحملنى أم أحملك؟" فأراد أتحدثُنى أم أحَدِّثك حتى نقطع طريقنا، وأما قوله: "أترى هذا الزرع أُكِلَ أم لَا؟" فأراد هَلْ باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لَا، وأما قوله في الجنازة فأراد هل ترك عَقِبًا يَحْيا بهم ذكرهُ أم لَا؟
فخرج الرجل فَقَعد مع شَنٍّ فحادثه ساعة، ثم قَالَ أتحبُّ أن أفسِّرَ لك ما سألتنى عنه؟ قَالَ: نعم فَسِّرْهُ، ففَسَّرْهُ، قَالَ شن: ما هذا من كلامك فأخبرني عن صاحبه. قَالَ: ابنة لي، فَخَطَبها إليه، فزوَّجه إياها، وحملها إلى أهله، فلما رأَوْها قَالَوا: وافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ، فذهبت مثلًا يُضرب للمتوافقين.
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.