قصة «ما وراء الغيوم».. الجزء الثاني

التوقيت قبل ثلاث عشرة سنة.

في ذلك الزمن حدث أن والدي قرَّر أن يسافر إلى عائلته التي تعيش في دولة مجاورة لنا، وأراد أن أرافقه إلى هناك فوافقت؛ لأنني كنتُ أحب موطن عائلتي وأفتخر به أمام أصدقائي دائمًا.

كان كل شيء هادئًا، الأجواء عائلية والقليل يتحدث مثل لغتي ورحَّبوا بنا كثيرًا.

عشقتُ البحر هناك، فقد تخلَّيت عن كل الرحلات مع والدي؛ لكي أذهب إلى البحر كل يوم، فهو يبعد 3 كيلو مترات عن المنزل الذي أبقى فيه..

والسبب في عشقي لهذا البحر؛ أنني رأيت فيه روحي، كان واسعًا كما رسمه الله، فلم يمسسه يد البشر بشيء.. أمواجه كبيرة وهائجة، ولونه أزرق لا يشبه أي أزرق رأيته، وتُحيطه الجبال الشاهقة من طرفيه..

وعندما تجلس هناك ليلًا، فإنك لا ترى سوى النجوم الممزوجة بكحل المساء، فهي تبدو مثل أعين لأرواح قديمة.

مضت أيام وأنا أذهب إلى البحر مع إحدى قريباتي التي لا تتكلم لغتي، لكنها تفهم ما أريد قليلًا.. كان قلبها طيبًا وتمشي معي كل هذه المسافة إلى البحر دون أن تمل.

أحببتُ المكان الذي أنتمي إليه قليلًا، لكن البحر هناك عشقته دون أن أدرك أنه سيكون مدفن روحي يومًا؛ فهناك التقيتُه، لقد كانت مصادفة، إذ اجتمعت عائلته معنا في المطعم، وحينها اتصل هو بوالده وجاء لكي يتعرَّف علينا.

لم أكن على الطاولة عندما أتى، وإنما ذهبتُ لكي أغسل يدي بعد الطعام، وعندما قدمت استغرب وجودي. كان مظهره مثل الشاب المتهور؛ شعره سبايسي ويلبس ثيابًا رياضية.

نظرنا إلى بعضنا بعضًا، كانت هذه اللحظة المنتشرة منذ زمن.. طلب قريبي مني أن أذهب معه إلى البحر لكي أشاهد المنظر ليلًا.. ذهبنا معًا وقدَّم لي نوعًا من المشروب المشهور في منطقتهم.. كنا حينها صامتين لكن القلب يتحدث خلف الصمت، ثم وجدنا قاربًا خشبيًّا مرميًّا على الشاطئ فجلسنا بجانبه.

لقد كان كل شيء غريبًا، لحظات وقف عندها الزمن.. البحر.. وقليل من الغيوم البيضاء تُغطي النجوم، وهناك ضوء تمشي تحت ظله مئات السلاطعين كأنها جيش حولنا!

لا تسمع إلا هدير الموج وأصوات أنفاسنا معًا.. هناك غرق قلبي على ذلك الشط، فأنا حملت هذه اللحظات في ذاكرتي ثلاث عشرة سنة كأنها حدثت للتو!

أيقظتنا نسمة عبرت من شعري إليه، وأخذت معها رائحة عطري، لتدخل إلى أنفه وتبقى خالدة هناك.

حينها وقف مثل المجنون وقرَّر العودة إلى عائلته. أما أنا مشيت وراءه وأنا أتكلم مع نفسي "من أنت أيها المجنون بحق الله وأنا أسير خلفك هكذا!". لم أكن أدرك حينها أن وراء هذه اللحظات ينتظرني قدري.

اقرأ أيضًا: قصة «ما وراء الغيوم» الجزء الأول

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة