قُدِّر لي في بداية حياتي العملية أن يقول لي مسؤولي في العمل وكان إنجليزي الجنسية أن: (الذهب لا بد له أن ينصهر في النار حتى يصبح جاهزًا للاستعمال)، ويقصد أنه كي تصبح مميزًا في عملك فلا بد أن تمر بالصعب أولًا.
هذا بالضبط ما حدث لتلك المرأة الحديدية والتي توفيت إلى رحمة مولاها أول أمس.
تتعجب من صلابتها وصرامتها رغم طيبة قلبها..
تتعجب من استنارتها ورجاحة عقلها رغم أنها أمية لا تقرأ ولا تكتب..
تتعجب من حسن إدارتها للأمور رغم بساطتها وعفويتها الدائمة..
تتعجب من تسامحها رغم كل ما تعرَّضت له من مكائد وخذلان من بعض الناس..
لقد ربَّت تسعة أبناء لم ينحرف منهم أحد.. لم يخب آمالها منهم أحد.. لم يفشل منهم أحد... سبحان الله... إنها نعمة الله على تلك السيدة... كي نفهم نحن أن الله عادل وحكيم ولا يضيع أجر من أحسن عملًا..
لقد كانت تلك السيدة كثيرًا في حياتها... كافحت... تعبت... صبرت... تحملت... رضيت... والأهم أنها تمسكت بتلك الطاقة الأسطورية (الأمل).
وأراد الله لها أن يرزقها بأبناء أبرار، جميعهم كانوا يسعون لإسعادها ولم يعصوا لها أمرًا أبدًا.
إلى آخر يوم كانت تعطي الأمر والجميع يطيع ليس بدافع البر فقط... إنما لأنهم يعلمون ويثقون بحكمة واستنارة ورجاحة عقل أمهم.
ماتت المرأة الحديدية كما كنت أُسميها دائمًا، ولكن سيظل كل ما قدمته لتلك الحياة كشعاع نور نهتدي به في الطريق المظلم... فلقد كانت رائعة في عطائها... عظيمة في أدائها
لقد صنعت وخلقت حقًا الجمال في نفوسنا.
رسالة المقال: هي رسالة إلى إعلامنا غير المحترف، الذي دائم الخذلان لنا... لقد اهتمَّ إعلامنا على مدار ثلاثة أيام متتالية بتلك النكرة التي ظهرت في المهرجان الأخير حالقه شعرها (زيرو)، تلك النكرة التي لم تُقدِّم شيئًا إطلاقًا للمجتمع... اهتم إعلامنا بتلك المضطربة نفسيًّا، ولا أدري ماذا قدَّم لنا حين سلط الضوء عليها! هل أراد زرع القبح في نفوسنا؟ هل أراد أن يعلم أبناءنا الانحراف وصناعة القبح؟!
اهتم الإعلام بالقبح ولم يهتم بالجمال! اهتم بما لا يفيد وترك كل ما يفيد... للمرة المليون أقول على إعلامنا أن يسلط الضوء على نماذج مثل تلك السيدة التي قدَّمت للمجتمع رجالًا تفرح حين تراهم... قدَّمت نموذجًا رائعًا للمرأة المصرية التي تعلم معنى الحياة بشكل عام ومعنى الحياة الأسرية على نحو خاص..
على الإعلام أن يسعى لإظهار الجمال ويدعو إليه كي يتشكل وجدان أبنائنا على ما يستحق ويترك ما لا يستحق.
رحم الله الحاجة فاطمة فلقد كانت من نوادر هذا الزمان... وجعل كل ما قدمته لنا في ميزان حسناتها... ويرحم الله كل أمواتنا ... وأدعو الله أن يرزقنا حكمتها واستنارتها وحسن إدارتها.
حفظ الله مصر.. أرضًا وشعبًا وجيشًا وأزهرًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.