شحاتة له قصة غريبة، مشاكل عديدة وقعت له في حياته، وتدهورت حالته المادية والمعنوية، بعد أن كان يملك سيارة سوداء جاكوار ومطعمًا كبيرًا وحانة وبيتًا فخمًا..
جميع الأصدقاء والصديقات تخلوا عنه وتركوه يواجه مشاكله المادية، الإفلاس بهدوء دون مساعدة أو رأفة! يرافق أصحاب النفود، يسهر معهم ويصرف عليهم في الحانات كل ليلة، لم يعُد يهتم بحياته العادية، وتخلى عن مراقبة أعماله ومداخيله..
ترك كل شيء في أيدي غير آمنة، عمال لا ثقة فيهم، ذلك اليوم المشؤوم جاء أحد أعوان المحكمة يطلب منه التخلي عن كل ممتلكاته دون سابق إنذار من المحكمة الموقرة!
تعرَّض للإفلاس بالظلم، خصوصًا من ذوي النفوذ؛ لأنهم انتصروا عليه ظلمًا بشراء ذمة قاض وغيره من الذين يفتقدون الضمير المهني، ولو أنهم هم الظالمون..
أصبح متشردًا في الشارع لم يبقَ له سوى ما يلبس وساعة ذهبية روليكس قديمة، وكلب وفيٌّ لونه أسود..
توجَّه قبالة المحيط الأطلسي، في سواحل البحر بين روش نوار وشواطئ عكاشة. ماذا يفعل، أين ينام كيف يعيش، باع الساعة روليكس بأقل الأسعار ليهودية في روش نوار تبيع مواد الصيد والأطعمة..
اشترى قصبة وسلة وجميع معدات الصيد المستهلكة، أعطى وجهه قبالة البحر لعله يرتاح قليلاً من آلام الصدمة بعد إفلاسه ورميه في الشارع..
بنى مغارة أو عشة من الأحجار والبلاستيك وبعض الخشب وجده على الشط، بنيته الجسدية ضعيفة طويل القامة.
ملامحه تشبه صدام حسين عندما يلقي خطاباته العجيبة ضد العدو، لا يبتسم ولا يتكلم مع أحد، ولا يقترب من أحد.
مرة نسمعه يتكلم، كأنه يقرأ القرآن، ومرة يسب وهو ساخط على الوضع أو يتوجع ألم وجرح قديم في القلب وقع له.. لا يجتمع مع الصيادين ولا يشارك أحدًا في الكلام..
عنده ثلاث كلاب يرافقونه في البحر صباح مساء، ويقال إنه يتكلم معهم كأنهم بشر، ولكل كلب اسمه الخاص بأسماء عربية كالبهلول، الباش مهندس صلاح، الدكتور منير غالبًا أسماء الأصدقاء السابقين تخلوا عنه في أزمته ومحنته وإفلاسه، ومرة يناديهم كأولاده.
يعيش من البحر، يأكل الأسماك، وفواكه البحر، وهذا لعدة سنين، أواخر السبعينيّات والثمانينيّات، حتى في الصيد كان ماهرًا، صديقته في الصيد يقال لها خيط وقصبة، يستعمل الأطعمة بالسردين، ويرش عجينة بالسردين وزيت الكبيلة لكي تجتمع الأسماك حوله ويبدأ في الصيد في مكانه وبقربه..
طريقة صيد الأسماك المتنوعة جيدة، لكن ليس باستطاعة الجميع؛ لأن الصياد يجب أن يكون سباحًا ماهرًا، ويصبر للأمواج، وبرودة المياه.
هذه هي حياة الريس علال يومًا عن يوم، يصيد وقت يشاء وينام وقت يشاء، كل من وجده في البحر يبتعد عنه مائة متر ويتابعه لأن طريقته فرجة عجيبة ذكية وسريعة!
كيف يصيد وكيف يطعم وكيف يحمل السمك من الماء دون أن يترك للمتابعين والمشاهدين أن يروا حجم السمك والنوع، وذلك خوفًا أن يتبعه النحس والبؤس والفشل.
إذا رأى الناس يلفون حوله والسمك والغنيمة كثير يبدأ بالسب والشتم تجاه الأرض والبحر ويمينًا ويسارًا، والغريب في الأمر عندما تشتد به الأزمة تنفرج..
يستعمل المنفرجة الخاصة به: يصيح بأعلى صوته والناس تجتمع حوله يغني بحزن ويرقص، يا مولى بغداد.. يا مولى بغداد، اصلح لنا هذا البلاد المولى بغداد.
في نفس الوقت يتوجه إلى بركة ماء على شاطئ البحر مع الكلاب الثلاثة ويتابع الغناء والرقص الكلاب تنبح وترقص معه، بعدها يحمل كل كلب إلى السماء، يا مولى بغداد احمل كلب ثم يغطسه في الماء، يا مولى بغداد اغطس كلب... وهذه هي المنفرجة عنده.
في النهاية يسقط فوق الرمل بعد الغناء والرقص ينام ويستريح..
انقطعت عنا أخباره في بداية التسعينيَّات بصفة نهائية.
بعد ذلك سمعنا: شحاته في مدينة أكادير أصبح مدير شركة صيد الأسماك في أعالي البحار، مكتب كبير، سكرتيرة تتكلم عدة لغات، سيارة مرسيدس جديدة آخر موديل.
أحد أصدقائه إسباني يعرفه جيدًا أيام كان في عزه، وكان شريكه في بعض المشاريع.. أعطاه إدارة مجموعة شركاته في المغرب وإسبانيا، شحاته أصبح من الأغنياء بعد عدة أزمات..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.