قصة «لقاء بعد غياب».. قصة قصيرة

غاب قمر الليل، وأشرقت شمس الصباح بنورها ليبدأ يوم جديد، استيقظ أمجد الشاب الوسيم ذو البشرة السمراء، واللحية السوداء، طويل القامة، مفتول العضلات، بكل حماس وتصميم لامتحانه الأخير للسنة الثانية من كلية الطب. وهو على موعد مع وردته روان البيضاء، ذات العينين الزرقاوين وشعرها الأشقر.

خرج من منزله متأخرًا بعض الوقت، فدخل قاعة الامتحان، والتصميم على التفوق واضح بين عينيه. أنهى الامتحان، وخرج سعيدًا جدًا، وبدأ ينتظر روان حتى تخرج من القاعة، والشوق يفيض من عينيه. وخرجت وردته من القاعة ولكنها ذابلة ليست متألقة كعادتها.

قال أمجد: ما بال وردتي ذابلة وليست نضرة كعادتها؟

قالت روان ونبرة الحزن تخرج من بين شفتيها وقد امتلأت عيناها بالدموع: في الأمس تقدم أحد أقرباء والدي لخطبتي، وهو شريكه في العمل، وأجبرني والدي على الزواج منه، ولن أكمل دراستي في الجامعة.

ماذا سيكون رد أمجد يا تُرى؟ وما وقع تلك الكلمات عليه؟

تغيَّرت نظرات أمجد، وكانت كلماتها كخنجر طعن قلبه وأصابه بمقتل، واحتل شعور الحزن قلبه، ولم ينطق بأي كلمة غير: وفقك الله في حياتك، وأتمنى لك السعادة الدائمة. ولكن شعوره بالحزن الكبير ولَّد عنده شعورًا آخر هو الإصرارُ والتصميمُ على النجاح والتخرج في جامعته، وأن يصبح طبيبًا مشهورًا.

لم يكن لدى أمجد إلا هدف واحد وهو إتمام دراسته وتحصيل شهادته

مضت أيام الجامعة وليس لديه إلا هدف واحد وهو إتمام دراسته وتحصيل شهادته، إلى أن جاء يوم الفرحة الكبرى، يوم تخرجه. كان أمجد شابًا فقيرًا يعمل في أثناء دراسته حتى يُؤَمِّنُ مستلزماته، وعندما تخرج بدأ يمارس مهنة الطب في حيِّه الفقير، ولأنه طيب القلب ويحب أهل الحي ويحبونه، بدأ يلمع اسمه بين الناس بمهارته بعمله، وأخلاقه الحميدة وتفانيه بعمله بصفته طبيبًا يعالج الفقير والغني.

كان في المدينة طبيب مشهور، ولديه مشفى خاص به اسمه أحمد، سمع عن أمجد فاتصل به وطلب منه أن ينضم لفريقه في المشفى الذي يملكه.

هل سيوافق أمجد؟ وهل سينضم لفريق المشفى؟

وافق أمجد على طلبه. وفي اليوم التالي بدأ بالعمل في المشفى، ولكنه لم يتخلَّ عن عمله في حيِّه الفقير. أثبت أمجد جدارته في عمله، وبدأ يكتسب حب الناس وفريق المشفى كله، بأخلاقه ومحبته وتفانيه في عمله.

أُعجب الطبيب أحمد بعملِ وأخلاق أمجد. وفي أحد الأيام جلس الطبيبان مع بعضهما يتحدثان، فقال أحمد: لم يرزقني الله غير ابنتي الوحيدة هناء، وأنا معجب بك وبأخلاقك، وأتمنى منك أن تقبل الزواج من ابنتي. فرح أمجد وقال: أصدِّقك القول إنني معجب بابنتك هناء، ولم أمتلك الجرأة على طلب الزواج منها بسبب الفرق المادي بيني وبينكم. فرد عليه أحمد: الغنى ليس غنى المال ولكن الغنى غنى الأخلاق، وأنت طبيب ماهر وذو خلق.

وأُقيم حفل الزفاف، وتزوَّج أمجد من هناء، وعاشا معًا حياة سعيدة ورزقهما الله عز وجل بابنتين جميلتين. ومرت الأيام، وأصيبت هناء بمرض عضال، لم يستطع أمجد ووالدها أن ينقذاها من الموت المحتوم، فتوفيت هناء رحمها الله. وهنا أدرك أمجد قدرة الله، وأن الله هو الشافي والقادر على كل شيء، وفوق كل شيء، وأضاف إلى أخلاقه الحميدة التزامه بتقوى الله وحب رسول الله.

بدأت حياته الجديدة، وكان هدفه تربية أطفاله على الأخلاق والدين. وفي أحد الأيام وبينما كان يؤدي عمله داخل المشفى أخبروه بوجود حالة إسعافية، واتجه مسرعًا إلى غرفة الإسعاف، وهنا كانت المفاجأة!

مَن تلك الفتاة المحجبة يا تُرى؟!

إنها روان وردته السابقة، عاد شريط ذكرياته أمام عينيه، لكنه لم ينسَ واجبه في إنقاذ حياتها، فاهتم بها حتى استفاقت من غيبوبتها، وعندما استفاقت رأت أمجد أمام عينيها. فقال أمجد: كيف تشعرين الآن؟ قالت روان: الحمد لله على كل حال، أشعر أن صحتي قد تحسنت. قال أمجد: الحمد لله على سلامتك، هذا من فضل الله عليك، فقد كانت حالتك وصحتك في خطر. تماثلت روان للشفاء، وقد كان هذا الحادث سبب التقائهما مرة أخرى، وعودة الحياة لقلبيهما.

قال أمجد لروان: في صباح الغد يمكنك الخروج من المشفى، ولكن أين زوجك، لم أرَ سوى والدك ووالدتك. قالت روان: لقد افترقنا عن بعضنا بعضًا، لأنني لم أُرزق بالأطفال، فأنا لا أستطيع الإنجاب، وأنت هل تزوجت؟ قال أمجد: أجل تزوجت ورزقني الله بابنتين، ولكن أُصيبت زوجتي بمرض وتوفاها الله.

عاد الشوق والحنين إلى قلبيهما، فقال لها: ما رأيك أن أطلبك للزواج من والدك وتكوني أمًا لابنتيَّ. فقالت روان والفرحة تكاد لا تسعها: أنت تعلم أن يوم زواجي منك هو يوم سعادتي، وسيعوضني الله بابنتيك عن الإنجاب، وسأكون لهما الأم الحنون بدل أمهما رحمها الله.

أخبر أمجد عمه الطبيب أحمد عن رغبته بالزواج من روان، فوافق وسُرَّ من كلامه، وذهبا لكي يطلباها للزواج من والدها، فوافق والدها. وعاش أمجد مع روان وابنتيه حياة سعيدة شعارها المحبة والفرح وطاعة رب العالمين.

وها هو قمر الليل يعود من جديد، ويغيب في صباح اليوم التالي، كأن ضوءه عاد لنوره الذي اختفى لزمن، والهمة للعمل صارت أقوى، ليس لإثبات الذات هذه المرة، بل فرحًا بالأقدار التي يرتبها الله.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

قصة رائعة مثلك صديقتي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.