يهمس لنفسه: "كيف يفكر (كونان)؟ كيف يربط الأحداث ويحللها؟"
أحيانا يدعوه (شيئًا) أو (حاسوبًا)، ذلك أنه لا ينفك يحلل الأمور بطريقة رياضية حسابية، وأحيانًا أخرى يسميه (كونان) عندما يحلل بطريقة المحققين البوليسيين، ونادرًا ما يدعوه باسمه الصريح مجردًا من كل لقب.
ظل حائرًا، كيف استطاعت جارته الأرملة الشابة (ريتا) التي تسكن مع طفلها في الشقة المقابلة لشقته في ذات العمارة أن تقنعه بالزواج بها بطريقة سخيفة، وربما قانونية؟ من يعلم؟! نعم.. ربما كانت أذكى منه، بل أذكى منهما معًا، ذلك أنه اعتاد أن يستشير (كونان) في كل صغيرة وكبيرة، فيخرج منتصرًا، وفي أسوأ الأحوال بأقل الخسائر.
- لقد ربحت مئة مليون دينار! تهانينا سيد (جونز).. تهانينا.
فكَّرَ بالمبلغ الذي يُعَد ثروة هائلة بالنسبة لأمريكي مثله، لم يصدق ما قاله مقدِّم البرنامج وهو يرسم على شفتيه ابتسامة عريضة جادة، حاول أن يستعيد صدى الجملة ووقعها في نفسه لأطول مدة ممكنة، وربما مدى الحياة!
يتذكر ذلك جيدًا الآن، يصفق الجمهور بلهفة، تعلو الهتافات في الاستوديو الكبير، يهنئه المقدِّم ويصافحه بحرارة، تتناغم الأضواء الملونة مع الموسيقى الصاخبة المقرونة بهتاف الجمهور.. مزيج صاخب عجيب وغبطة ما بعدها غبطة.
ثم قال مقدِّم البرنامج:
- والآن سيداتي سادتي.. وقبل أن يستلم السيد جونز جائزته، لا بد له أن يوقع على عقد صغير..
هنا صاح الجمهور بصوت أعلى وأعلى، فهتف المقدِّم:
- الهدوء الهدوء رجاءً.
شعر جونز بشعور ممزوج ما بين القلق والاندهاش بدأ يزداد شيئًا فشيئًا، وهو يحدق في وجه المقدِّم المبتسم، تمتم في نفسه:
- عقد صغير! ماذا يقصد؟
حاول الحفاظ على رباطة جأشه، كما حاول الحفاظ على ابتسامته وبقايا شعوره بالانتشاء والسعادة.. ناوله مقدِّم البرنامج ظرفًا ورقيًا مختومًا ومزركشًا، مكتوبا عليه (إلى السيد جونز.. مع أطيب الأمنيات)، وما إن فتح الظرف بيدين مرتعشتين بفعل الارتباك حتى ذهل مما قرأ:
السيد (روبرت جونز) المحترم
يشرفنا ويسعدنا أن نقدم لك الجائزة السنوية في برنامج المسابقات التلفزيوني، شريطة توقيعك على عقد الزواج من السيدة (ريتا سميث) والتكفل بطفلها، والتنازل عن نصف قيمة الجائزة ونصف أملاكك الأخرى لهذه السيدة.
صرخ غاضبًا:
- هذا هراء!
رد المقدِّم بهدوء معتاد وابتسامة واثقة:
- من فضلك سيد جونز.. لا تغضب.. أرجوك كن هادئًا.
قاطعه بانفعال حاول إخفاءه:
- ولكن يا سيدي.. ما علاقة الجائزة بالسيدة ريتا؟ وهل ستجبرني على الزواج بامرأة لا أحبها؟ ثم أنتم تعلمون أنني متزوج ولدي طفلان، فلمَ هذا الزواج الذي لا داعي له ولا حاجة لي به؟
رد المقدِّم بهدوء:
- سيد جونز.. دعني أوضح لك الأمر، لدينا تسجيل كامل للحلقة التي استضفناك فيها كمتسابق، ولدينا الآن شهود من الجمهور الذين حضروا الحلقة ومن ضمنهم القاضي المحترم السيد (كيڤن)، كما لدينا تعهد أنت وقعته يتضمن موافقتك على جميع شروط المسابقة.
ثم أردف:
- وكان من ضمن الأسئلة التي طُرِحت عليك كي تتمكن من العبور إلى السؤال التالي، (إذا حصلت على الجائزة، هل تتعهد أمام القضاء وأمام الجمهور وعلى الهواء مباشرة بالزواج من جارتك المطلقة ريتا، والتنازل لها بنصف ما تمتلك؟.. مع ملاحظة أن الإجابة بـ(نعم) تلزمك بالإيفاء بوعدك والإجابة بـ(كلا) تمنعك عن التأهل للسؤال التالي)، وحينها أجبت بـ(نعم) على الفور بدون تردد.. أتذكر؟
رد السيد جونز متلعثمًا:
- ولكنني ظننته سؤالًا روتينيًّا غير جاد.
أجابه المقدِّم:
- كان عليك أن تفكر قبل أن تجيب.
ها هو الآن يتذكر ما جرى في العام الماضي، وكيف خدعوه، يهمس لنفسه: "كيف كان يفكر كونان؟"، أراد أن يعرف كيف كان يفكر ذلك الشيء الذي هو عقله.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.