محمد محمد صالح عجيلي مارس 24, 2023, 7:19 ص

قصة "كنز في استوديو ساكو".. قصص قصيرة

بلدتنا الصغيرة لم يكن فيها ولا مصور واحد. المصور الوحيد هو ساكو الأرمني يأتي من حلب كل يوم ثلاثاء وهو يوم البازار في البلدة يجلس بجانب مبنى البلدية، وقد خصص لنفسه مساحة على حائط خرب أقام بجانبه مسطبة على هيئة كرسي من الحجارة هو استوديو ساكو في الهواء الطلق.

لم يكن أحد من اهل البلدة ليفسد له هذا الكرسي الحجري، فكلما قدم وجد الوضع على حاله، فيقوم بتعليق قماشة سوداء على الحائط ذاك كخلفية لمكان جلوس الزبون، ويثبت آلة التصوير الخشبية التي ترتكز على سيبًا من ثلاثة أرجل، وفوقها صندوق التصوير الخشبي الذي يحتوي على الكاميرا والغرفة المظلمة التي يتم فيها إعداد الصور المائية..

كنا نحن الأطفال نعجب كيف يستخرج الصور من ذلك الصندوق العجيب، وقد بللت بالماء فيعلقها بالهواء قليلا كي تجف.

المصور ساكو يداه دائمًا صفراء تميل إلى اللون البني قليلاً، التي عرفت فيما بعد أن هذا من أثر مواد ماء التحميض التي يغمس فيها يديه ليظهر الصور.

كنا نراه بعد أن يضع إطارًا خشبيًا وسطه لوح أسود يدخله وسط الصندوق ثم يأخذ اللقطة للشخص الذي يريد أن يتصور بعد أن يحاول تركيز جلسته وتحريك رأسه ليعتدل بشكل مناسب، ثم إنه يسحب هذا الإطار ويضعه في العلبة الخلفية للصندوق، ثم يدخل يداه عبر كيس قماشي يفضي إلى الصندوق الخشبي العجيب ويبدأ بتحريك يديه بطريقة ما كأنه الساحر..

وبعد برهة من الزمن يخرج الصور وقد تبللت بالماء فيعلقها بالهواء الطلق حتى تجف.

ذات يوم مررت بالمكان الذي يقف فيه المصور ساكو ليلتقط الصور لزبائنه.

المكان على حاله والكرسي الحجري الذي صنعه مكانه وبعقلية الطفل الذي يحب أن يجرب كل شيء، جلست على الكرسي متخيلاً نفسي أن المصور ساكو أمامي وهو يصورني، ثم إنني قمت من مكاني بعد أن تخيلت المشهد وأردت المغادرة لأجد أمامي وبجانبي عدة ليرات، وبضع قطع نقدية صغيره دهشت وأنا أرى تلك النقود لممتها ثم رحت أبحث في أرجاء المكان عسى أن أجد منها المزيد، وفيما يبدو أن أحد زبائن المصور ساكو قد سقطت منه وهو جالس على كرسي ساكو الحجري.

وضعت النقود في جيبي ورحت أركض فرحًا نحو البيت، قابلت أخي الأكبر وأخرجت له القطع النقدية بين يدي، فوجئ أخي متسائلاً من أين لك هذا أجبته والفرحة تملأ قلبي قائلاً هذا الكنز من استوديو ساكو الذي في الهواء الطلق بجانب البلدية.

استكشف المزيد حول قصة قصص قصة قصيرة

بقلم محمد محمد صالح عجيلي

كاتب قصة قصيرة ومقاله منوعة ودراسات . له عدة مقالات وقصص في الدوريات العربية .

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة