منذ خمس سنين تعرَّضتُ لحادثٍ بغيض تأثيره مستمر، وسيظل مستمرًا طيلة حياتي.
في يوم عيد شم النسيم، ذهبتُ مع صديقة لتنسم الهواء مع التمشي قليلاً، رن الهاتف وأجبت عليه، فإذا بزميل لي يتبادل التهاني بالعيد معي..
أكملت المكالمة وأغلقت الخط، وكنتُ أهم بالنزول عن الرصيف ولا أعلم حقًا ماذا حدث إلا بأن أصرخ باسم: "صديقتي اتكسرت اتكسرت"، فإذا بصاحب المحل الذي سقطت أمامه يجلب كرسيًّا لي، وإذا بصديقتي تتصل بالإسعاف فيأتون ويحملوني إلى المشفى الحكومي؛ بسبب الإجازة دخلنا غرفة الأشعة، وتأكدنا وخرجنا على الكرسي المتحرك، فإذ بي أخبرها أن قدمي تحتاجُ إلى عملية جراحية، ولكنها أجابتني باستنكار واستهزاء وكيف تعلمين هل أنت طبيبة!
فقلت لها: كما حدث لولدي حدث معي، ولكن حادثة والدي رحمه الله كانت أشد، فإذ بي اتصل بخالتي لأخبرها أنني سأدخل العمليات، ولا أعلم متى.. ثم عُدنا وأقمت يومًا آخر في مستوصفٍ تابعٍ لعملي، لأذهب بعدها إلى مشفى أكبر؛ لإجراء العملية.
لم أستطع النوم في تلك الليلة ولا الليلة التي تلتها، فأرسلت صديقتي لتحضر لي بعض الملابس من منزلي، فقد كنت أأتمنها عليه بعد رفض المسؤولة عن رعايتي الذهاب هي لإحضار الملابس.
فإذا بصديقتي التي أأسف أن أدعوها صديقة، تذهب لتفتش بيتي وتعلم ما فيه، وكم أمتلك، وعلى ماذا يحتوي، فقد تناست مهمتها الأساسية، وأنني ائتمنتها على منزلي..
فذهبتْ لتعلم ما فيه، نعم يا سادة لقد كانت مؤامرة وكان هذا الوقت المناسب لتنفيذها في غيابي ولم أكن أعلم بذلك، أحضرت ملابسي وعادت إليّ، لم تكن علاقتي بخالتي جيدة في ذلك الوقت.
فعندما أتت خالتي الكبيرة بعد إجرائي العملية، كان يوجد شجار بيني وبينها واتهمت صديقتي أنها السبب؛ لأنها كنت تريد تهدئة النفوس وحزنت صديقتي بسبب هذا الاتهام، وانقطعت صديقتنا بعدها إلى الآن.
جلست في حجرة منزل ملحقي بشغلي مدة ثلاثة أيام، ثم نقلت بعدها لأمكث شهرًا ونصفًا في دار المسنين معذبة باكتئابي وألمي، ولكن من هذه التجربة تعلَّمتُ أشياء لم أكن لأتعلمها أبدًا، تعلمتُ أن الإنسان في المشفى قد يشعر بمحبة من حوله وتعاطفهم، ولكن تذهب هذه المحبة ويتناسون ذاك الشخص..
بعد وقت قصير تعلمت أن من يكمل معك رحلة علاجك عليك أن تدعو له في كل صلاة تتلوها، تعلَّمتُ أن كشف جسدك لأشخاص غرباء لكي تقوم بأبسط الأمور كالاستحمام لهو مهانة، فنحن نعيش في مجتمع بطبعه فضولي لتسمع منهم ما ليس لهم شأن به..
وأخيرًا تعلَّمتُ أهم شيء، أنني لا خوف من جلوسي في منزلي بمفردي، وقد كان من أعظم دروس حياتي، فبعد إقامتي في دار المسنين لمدة شهر ونصف، ذهبتُ لمراجعة الطبيب الذي بالمناسبة قد أجرى العملية خطأ، وهذا ما أعانيه الآن.. قال: "أنت تستاهل مشيتي عليها هدى أسبوعين كمان في الجبس".. فهل كثير عليّ أن ألقى الرحمة حتى ممن كان مفترضًا أن يكون رحيمًا! فعدتُ إلى منزلي وصعدت الدرج، وأقمت أسبوعين أخدم نفسي بالجبس، ولكن كان هذا أهون مما رأيته في دار المسنين..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.