في يوم ثلاثاء مـن شهر أغسطس/ آب خرج القطار من جرف صخري، ومرَّ بمزارع الموز. كانت الأم وطفلتها ترتديان ثياب الحداد، وتحملان معهما كـيسًا بلاستيكيًا فـيـه بعـض الطعام وباقة أزهار، وكانتا المسافرتين الوحيدتين فـي عربة الدرجة الثالثة.
بعد أن تناولتا الطعام، لفَّت المرأة الكيس البلاستيكي، ووضعته فـي حقيبتها المُهترئة، ولفَّت الطفلة الأزهـار بصحفٍ مبللة.
لما توقف القطار نزلت المرأة والطفلـة، وذهبتا لبيت كاهن الأبراشية لتأخذا منه مفاتيح المقبرة، لكي تزورا قبر ابنها الوحيد (كارلوس ثنتينو) الذي قُتِلَ هناك مُنذ أسبوع. ففي الثالثة فجرًا يوم الاثنين الماضي، أحسَّت السيدة (ريبيكا) المترملة منذ ثمانٍ وعشرين سنة، أن هناك مـن يحـاول خلع باب بيتها، فنهضت، وبحثت عن مسدس قديم لم يستخدمه أحـد منـذ عهد الكولونيل (أوريليانو بوينديا) وأمـسكت المسدس، وضغطت على الزناد، فارتطم (كارلوس ثينتينو) بالأرض، وراح صريعًا.
الكولونيل أوريليانو بوينديا هو أحد أبطال رواية الكاتب جابرييل جارسيا ماركيز الشهيرة «مئة عام من العزلة».
كانت الساعة تقارب الثانية، وقد غرقت القرية فـي حـرٍّ شديد، وفـي هـذه الساعة تنام القرية قيلولتها، حيث تُغلق المتاجر والمدارس أبوابها من الحادية عشرة صباحًا إلى الرابعة عصرًا، ولا يبقى مفتوحًا سـوى الفندق، وحانتـه وصـالة البلياردو التابعـة لـه، ومكتب التلغراف، أما البيوت فقد كان ساكنوها يتناولون غداءهم في الفناء، ويأخذ آخرون قيلولتهم في عرض الشارع تحت ظل أشجار اللوز.
لما أعطاها الكاهن المفتاح سألها مُتنهدًا: ألم تحاولي إدخال هذا اللص إلى طريق الصواب؟
فأجابته المرأة: لقد كان رجلًا طيبًا جدًّا، دائمًا ما كنت أقول له ألَّا يسرق شيئًا يحتاج إليه أحدهم ليأكله، وكان يطيعني.
بسبب الحر أوصاهما الكاهن بأن تغطيا رأسيهما اتقاء ضربة شمس، وأخبرهما بما عليهما عمله للعثور على القبر، ثم أضاف: ليس عليكما أن تطرقا الباب عند عودتكما، فقط ضعا المفتاح تحت الباب، وضعا هناك صـدقة للكنيسة. اسـتمعت له المـرأة، وقدَّمت له الشكر دون أن تبتسم.
قبل أن يفتح الكاهن الباب، لاحظ وجود مجموعة من الأطفال، وعندما فَتَحَ الباب تفرَّقوا، فقال لنفسه: من الطبيعي فـي مثـل هـذا الوقت ألا يوجد أحد في الشارع، ثم تفحَّص الشارع، وبعدها أغلق الباب وقال: عليكما الانتظار، فقد تنبَّه الناس لكما، من الأفضل أن تخرجا من باب الفناء.
لم يبدُ على المرأة أنها قد فهمت شيئًا من كلامه، فأمسكت الطفلة، وتحرَّكا باتجاه الباب، فقالت شقيقة الكاهن: انتظرا إلى أن تخف حدة الشمس، فستذوبان هكذا، انتظـرا سأعيركما مظلة.
فقالت المرأة: شكرًا، إننا على ما يرام هكذا.
وأمسكت بيد الطفلة وخرجت إلى الشارع.
تنويه: إن ما قرأتموه لا يُغني إطلاقًا عن قراءة القصة.
إذا حاز ما كتبناه على إعجابكم فلا تنسوا الاشتراك حتى يتسنى لكم قراءة كل جديد.
أغسطس 29, 2023, 2:33 م
تنويه : إن ما قرأتموه لا يغني إطلاقًا عن قراءة القصة الأصلية للكاتب جابرييل جارسيا ماركيز .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.