قصة "قلم عيون".. قصص قصيرة

لقد كانت يومًا في جلسة بنات يتحدثن عن أدوات التجميل، فذكرت إحداهن قلم رسم العيون وبعدها سألت صديقتنا..

- هل تجيدين رسم عيونك؟

لترد عليها بالنفي، فتتفاجأ الحاضرات لجهلها بذلك، ويبدأن بالنظر لبعضهن البعض مستغربات، ويرسمن ابتسامة نشوة، وكأن صديقتنا فوَّتت عليها فرصة العمر، ولربما لو حدث هذا الموقف لإحداهن لرأيناها تُسارع بأخذ دورة تدريبية لتعلُّم تقنية غزو الفضاء أو... أقصد رسم العيون، لكن صديقتنا غضَّت الطرف عن الموضوع؛ لأنها رأت أنه ليس من أولوياتها، وحديث مثله لا يُغني ولا يُسمن من جوع.

في الواقع لقد شعرتْ في بداية الأمر بالحرج أمام البنات وأحسَّت بأنه ينقصها شيء، لكن سرعان ما نسيت الموضوع وبأمر إلهي، فلطالما كانت بعيدة عن هذه الاهتمامات، بل كانت القراءة والكتاب هي ما تميل إليه، ودون أن تشعر راحت تُعَبِّدُ الطريق لعقلها وقلبها.

وفعلًا فإنها لا تعرف كيف تضع المساحيق، وبمعنى أصح لم تسعَ يومًا أن تتعلم كيف تضعها، فهي لم تكن مُغرمة بتلوين الوجوه وإخفاء جمالها الحقيقي بقدر ما تسعى لتزيين قلبها وعقلها.

قد يعد البعض هذا من قبيل التطرف، لكن الواقع هو أن تجمُّل المرء في آرائه وعلاقته بالخالق؛ فهو الكفيل بتجميله وجعله حسنًا في عيون الآخرين.

طبعًا هذا لا يُعد حجرًا على ما يعتقده البعض؛ فكلٌّ له اهتماماته، وهو حرٌّ في ذلك، مثلما يوجد أيضًا من يعُدُّ الألوان التي يضعها المرء على وجهه ما هي إلاَّ حاجز أمام عطايا الكون، فبقدر ما كان جسده خفيفًا وغير مُتخم بالأحمال فإنه تسهُل عليه عملية الاستقبال. 

لقد اختار الخالق لصديقتنا أن تحمل قلم كتابة بدل قلم عيون لتعبِّر عن ذاتها، فمفهومها عن الأنوثة يختلف عمَّا يُروج له الآن من مظهرٍ خارجي وملحقاته، فهي تحب أن تتحدث عن نفسها أحيانًا وتذكر عيوبها لكي تتحرر من تلك القوالب التي يحاول المجتمع وضع الفرد فيها، فيغدو شخصًا نمطيًّا بامتياز.

إن تلك التي ترسم عيونها كل يوم وتغيِّر من شكلها، هل فكَّرت يومًا أن ترسم طريقًا لها يقودها إلى النجاح مع ذاتها؟ بل المؤكد أنها تُخفي جمالًا داخليًّا لو انتبهت له لرمت بكل مستحضراتها وراءها؛ فهي لا تدرك حجم الراحة التي تشعر بها وهي غير مقيدة بآراء الآخرين.

قد يقول البعض إنه توجد من هُنَّ ناجحات، وعلى الرغم من ذلك فهُنَّ يهوين التلوين، لكني أعتقد، ومن وجهة نظري، أنهن لن يكنَّ راضيات عن أنفسهن تمامًا؛ لأن تركيزهن سيكون منصبًّا على أمور عدة:

- هل البودرة التي وضعتها على وجهي ملائمة للون بشرتي؟

- هل قلم العيون الذي اقتنيته حديثًا يبرز جيدًا لون عدساتي، أقصد عيوني؟

- هل أحمر الشفاه الذي اخترته ملائم مع ما أرتديه؟ 

- هل الشامة التي وضعتها ملائمة على الخد الأيمن أم ترى أنها من الأحسن أن أضعها على خدي الأيسر؟

- والأهم من ذلك تلك الغمازتين اللتين دفعت من أجلهما مبلغًا معتبرًا هل أبرزتا جمالي الرباني؟

وبعد كل هذه الأسئلة هل تراها ستتحصل على إجابات وهي التي لم تسمح لنفسها باستقبالها أو حتى تتهيأ لذلك؟

في الواقع لقد تعرضت إحداهن لموقف طريف جعلها تعيد ترتيب بعض أولوياتها، أقصد شامتها، حتى إنها استغنت عنها نهائيًّا حين نهضت يومًا مضطربة بسبب المنبه الذي لم يكن يومها حليفها، فقد نفدت بطاريته ليلًا ولم يرن كعادته، لتُسرع صباحًا بوضع مساحيقها في عُجالة، وحين وصلت لمقر عملها انتبهت لها إحدى الزميلات لتسألها:

- أليست شامتك مكانها الخد الأيسر أم تراني أنا التي لم تنتبه جيدًا؟

أما لسان حال صاحبة الشامة فيقول:

- لا، لستِ مخطئةً، بل أنا من نسيت وضعها في الخد المعتاد!

ومن يومها أصبحت تخفِّف من رسم الشامة إلى أن اختفت دون رجعة؛ بحجة إزالتها عند طبيب التجميل لدواعي صحية بحتة.

إن قصتنا اليوم وما تحمله من طرافة، تُعرِّي ظاهرة غزت مجتمعات كثيرة جعلت ظاهر الإنسان هو من ينوب عنه والمتحدث الرسمي له، وتناست جوهره.

لقد أصبح المرء يُقاس بما يرتديه ويحمله من ملحقات، فلو كان النجاح يُقاس برسم عينٍ أو بإتقان خط حاجبٍ لأمسينا جميعًا نحمل عيون المها تخترق كل المجالات.

لكن للأسف فالمها ومن بداية الخليقة وهي مُطاردة من صياد نَهِمٍ يسعى للنيل منها ومن لحمها الطري، والسؤال هو:

- هل تراه يعزف عن صيدها لمجرد أن تلمحه بلحظها فيتراجع عن فعلته؟

طبعًا لا؛ فعينه على سد رمقه الذي لا ينتهي أبدًا، وليست عيونها السود هي ما يريد.

في الواقع قد نتقاطع نحن مع صديقتنا اليوم في أننا نهوى إظهار أحسن ما فينا، ونحاول أن نخبئ غير الجيد، والذي بتربيتنا اعتقدناه سيئًا، وهو غير صحيح؛ فخلقة اللَّه قد وضعها فينا لحكمة، أمَّا ما يُعد سيئًا فهو تلك التصرفات التي تصدر عنَّا وبإرادتنا، فنبدأ بالتباهي بها ولا نحاول تغييرها؛ خوفًا من المجتمع أو أن يُقال إننا ضِعاف.

إن الهروب والخوف من التغيير هو الذي يولِّد الضعف، أما التغيير فهو من شيَم الأقوياء؛ لذلك علينا أن نُذكِّر أنفسنا بأننا بشر نخطئ ونصيب، ولا بأس ببعض التغيير الذي يحدث منا؛ فهي سُنة الحياة، ولا ضير بأن نُمسي أشخاصًا آخرين وأفضل من ذي قبل، فحتى الصخر يتغير عن طريق عوامل الطبيعة، فما بالك بالإنسان الذي يحوي جسدًا وقلبًا وروحًا؟

الحياة مدرسة، وأسعى دومًا إلى النظر إلى الخير الذي يسكن البشر 💫🪐🪄 وكثيرًا ما يدفعني قلمي نحو الكتابة،فأجد نفسي وسط قصة أو رواية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 8, 2023, 10:57 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 8, 2023, 10:28 ص - سمر سليم سمعان
ديسمبر 7, 2023, 7:56 م - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 6, 2023, 8:20 ص - جوَّك آداب
ديسمبر 6, 2023, 5:38 ص - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 5, 2023, 12:07 م - ايه احمد عبدالله
ديسمبر 5, 2023, 6:33 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 11:08 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 8:21 ص - عائشة محمد عبد الرحمن غريب
ديسمبر 3, 2023, 12:38 م - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 2, 2023, 1:28 م - طلعت مصطفى مصطفى العواد
ديسمبر 2, 2023, 8:31 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 1:12 م - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 30, 2023, 9:41 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 30, 2023, 9:14 ص - حسن بوزناري
نوفمبر 30, 2023, 6:36 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 6:01 ص - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 28, 2023, 7:07 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 6:48 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 5:34 ص - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 27, 2023, 10:49 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 27, 2023, 9:50 ص - محمد عربي ابوشوشة
نوفمبر 26, 2023, 9:14 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:54 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 24, 2023, 9:55 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 24, 2023, 9:03 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 5:14 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 23, 2023, 3:18 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 23, 2023, 11:13 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 10:15 ص - سومر محمد زرقا
نوفمبر 23, 2023, 9:11 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 22, 2023, 1:01 م - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 22, 2023, 9:13 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 21, 2023, 5:02 م - أحمد عبد المعبود البوهي
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - هبه عبد الرحمن سعيد
نوفمبر 20, 2023, 7:07 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 19, 2023, 12:12 م - التجاني حمد احمد محمد
نوفمبر 18, 2023, 11:20 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 18, 2023, 10:59 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 16, 2023, 2:07 م - بوعمرة نوال
نوفمبر 16, 2023, 9:00 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 15, 2023, 8:43 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 14, 2023, 4:49 م - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 14, 2023, 2:00 م - سالمة يوسفي
نوفمبر 14, 2023, 7:57 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 14, 2023, 6:19 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 7:38 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 6:59 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 12, 2023, 8:39 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 11, 2023, 2:17 م - منال خليل
نوفمبر 11, 2023, 7:49 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 10, 2023, 12:05 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 10, 2023, 9:02 ص - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 9, 2023, 9:49 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 12:36 م - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 9:53 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 9:46 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 7, 2023, 9:35 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 7, 2023, 9:19 ص - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 7, 2023, 5:10 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 6, 2023, 11:03 ص - بدر سالم
نوفمبر 5, 2023, 10:20 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 4, 2023, 8:32 م - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 4, 2023, 3:28 م - ناصر مصطفى جميل
نوفمبر 4, 2023, 2:19 م - بدر سالم
نوفمبر 4, 2023, 10:57 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 3, 2023, 7:42 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 3, 2023, 5:45 ص - ياسر الجزائري
نوفمبر 2, 2023, 11:59 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 2, 2023, 9:19 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 2, 2023, 9:14 ص - إياد عبدالله علي احمد
نوفمبر 2, 2023, 8:35 ص - سمير الطيب عبد الله
نوفمبر 1, 2023, 3:12 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 12:52 م - ماجد محمد رضوان
نوفمبر 1, 2023, 11:39 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 10:00 ص - سيد علي عبد الرشيد
نوفمبر 1, 2023, 8:10 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 1, 2023, 6:21 ص - نجوى علي هني
نبذة عن الكاتب

الحياة مدرسة، وأسعى دومًا إلى النظر إلى الخير الذي يسكن البشر 💫🪐🪄 وكثيرًا ما يدفعني قلمي نحو الكتابة،فأجد نفسي وسط قصة أو رواية.