كان الطفل المشرد يجوب شوارع المدينة، يعرض الورود على المارة، محاولًا بيعها لكسب قوت يومه. اقترب مني بابتسامته البريئة، يمدُّ لي وردة حمراء. ترددت لوهلة، ماذا سأفعل بها؟ لا أريدها لنفسي، ولا أنوي إهداءها لأحد. فكرتُ أن شراءها قد يكون عملًا لطيفًا، يمنحه بعض المال، لكن الوردة، ما ذنبها أن تُشترى بلا رغبة، ثم تُلقى تحت أقدام العابرين؟
لكن الأشواك التي كانت في يد الطفل حملت قصة أخرى، كأنها تحكي عن معاناة مخبأة في صندوق منسي. خُيِّل إليَّ أن هذا الصغير لا يملك المال ليشتري الورود من المزارع، بل يقطفها من أمكنة بعيدة، من الجبال الوعرة، حيث تمتزج الأشواك بين الطبيعة والواقع القاسي. هو، مثل تلك الورود، بلا راعٍ، بلا سَاقٍ، ضائع في برية الحياة.
في كل شيء، هناك حكاية يرويها القدر، لكن المؤكد أن هذا الطفل لم يختر الشارع مأوى له. لم يكن يريد أن يصبح متسولًا يجلس على الرصيف ينتظر حسنة العابرين، بل أراد أن يكون شخصًا له قيمة، حتى وإن كان يبيع الورود.
بعد حديث طويل بيننا، حاول إقناعي بشراء الوردة، على الرغْم من أنني أخبرته أنه لا يوجد من أهديه إياها. لكنه ببساطة قال: "أنت أحق بها... عامل نفسك كما تحب أن يعاملك الآخرون". كلماته لامست شيئًا داخلي، جعلتني أشتري الوردة، وأعود بها إلى المنزل بروح مختلفة. شعرت للحظة أن هذا الطفل ساعدني على حب نفسي من جديد. ومنذ ذلك اليوم، قررت أن أشتري منه وردة كل صباح، لنفسي.
استيقظت في اليوم التالي، كعادتي، توجهت إلى المقهى بعد شراء الصحيفة، ثم ذهبت مسرعًا إلى المكان الذي كان يقف فيه الطفل، مستعدة لأخذ وردتي الجديدة. لكن عند اقترابي، رأيت حشدًا من الناس متجمِّعين. للحظة، اعتقدت أن الطفل ربما نجح في إقناع الجميع بشراء الورود وحب أنفسهم. تقدَّمت، لكن المشهد كان مختلفًا.
على الأرض، كانت هناك وردة صغيرة، حمراء اللون، ملقاة بلا حياة، كأنها تغمس الأرض بدمائها. أدركت حينها الحقيقة... لقد رحل الطفل. سُحِقَت حياته، كما سُحِقَت وردته، تحت عجلات وحوش بشرية لا ترحم.
لم أتخيل يومًا أن أول وردة اشتريتها منه... ستكون الأخيرة، وستنتهي على قبره.
رائعه صديقتي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.