قصة "فتاة في حيرة".. قصص قصيرة

استيقظت فزعًة على صوت الشجار، وهو أمر بتُ أألفه ليل نهار؛ فأبي أصبح شغله الشاغل عقب عودته من العمل أن يتتبع ما تفعله أمي ويعيبه بلا كلل.

ووفقت عاجزة بين كلا الطرفين وكأني حكم في مصارعة بين خصمين، فهذا لا ينصت والآخر لا يستجيب وكأن الحوار عيب أو عجيب.

وأنا الصغيرة ذات الضفائر التي لا سبيل لسماعها أو حتى الشعور بشكواها وأنينها.

لكم تمنيت أن تتوقف الصراعات ونعيش كأسرة سعيدة بلا منغصات، ولكن هيهات أن يتحقق ما أصبو إليه طالما أن هَمْ والدي ليس التعايش بل هدفه الوحيد، وهو هذا العصبي العنيد أن يثبت لأمي أنه جانبها الصواب وأن الأخذ برأيها في أمور البيت أمر يُعاب.

أبي يأخذ بمثل قديم قد سمعه من جدته منذ سنين وألا وهو أن الأخذ برأي النساء لا يجلب على البيوت إلا الخراب والبكاء، ولا أعلم كيف صدّق هذا المثل بل واعتبره غير قابل للنقاش ولا للجدل.

وها أنا ذا حائرة بين الأبوين ودموع أمي تقسم قلبي الصغير شطرين، إلا أن أحد الجيران قد قرر أن يتدخل لفهم سبب الشقاق؛ لأن السكوت عن الأمر أصبح لا يُطاق، فالمسكين لم يرتاح ببيته منذ سنين فكلما هم بأخذ قيلولة تنامى لسمعه صوت والدي الرصين فحرمه قيلولة الظهيرة وأضحت حياته بفضل الشجار صعبة مريرة.

وفي يوم لم تشرق له شمس، تعالى الصياح نهارًا كما بالأمس غير أن والدتي قررت أن تضع حدا لتلك المهزلة ولا تستسلم وتقبل بأن يصفها بالكسولة المُهملة.

جمعت ملابسي وملابسها وعلى الدرج دحرجت حقائبها ولم تستجيب لإلحاح أبي عليها بالرجوع؛ لأن الأوان قد فات وليس للحياة طعم إذا عمها الخنوع.

وفي بيت جدي وجدتي تباكت وكأن خالتها قد ماتت ووصفت أبي بأبشع الصفات بعضها انصافًا مني صواب والبعض الآخر قد قيل بدافع الهروب من اللوم والعذاب.

وهنا اعتدل جدي وقد احمرت وجنتاه وقلت في نفسي ويلاه، فصنيع أبي قد جاوز مداه وإن غضب جدي فهذا ما لا تحمد عقباه، وكيف لا وهو الركن المهيب الذي يخشاه البعيد والقريب وتهابه الطيور الكواسر والسباع، وكيف لا وهو الكاسي مُطعم اليتامى والأرامل والجياع وحاكم القرية وسيد القطاع والضياع.

أخذت أدعو الله أن يتريث جدي وإلا ستكون نهاية سعدي ومجدي؛ لأنه إذا حصل فراق فأنا الضحية التي ستدفع ثمن هذا الشقاق، فكلا الطرفين سيكيد وعن الحق إعلاءً لعزة النفس سيحيد.

ولكن جدي حفظه الله قد راعى أنني فتاة أحتاج لأن أنعم في كنف أبتاه، فتريث وقرر في ثبات أن يرسل لوالدي ويتغاضى عما فات، ليتم الصلح بين الأبوين وتستقيم كأي حياة بين زوجين.

سعد والدي عندما علم بنية جدي وهَم بالقدوم وعدَّ أن خطأ والدتي محسوم ومعلوم وأنه على صواب وأن جدي لن يغضب منه أو يوجه له عتاب.

وعقب قدوم الهُمام أمر جدي بأن يوضع له الطعام وأوصى والدتي بأن لا تنطق بكلام لأن سماع شكوى والدي بات إلزام، وكيف لا فقد يكون أبي الضحية وأمي بسوء صنيعها حولت حياته إلي بلية.

إلا أن والدي أخذ يناور ويتعلل بأعذار باليه ليس لها أساس وإن شئت فقل واهية، وعندما فطن جدي أن والدي هو سبب الأذية، طلب من أمي أن تعود لبيتها معززة هنية، وطلب من والدي أن يدرب قردين لديه ليجيدا الحديث والتحية.

كان هذا شرط جدي ليعود والدي لبيتنا ولكي يطمئن أن السكينة ستعود لحينا، ولبث والدي عدة شهور وهو على المقام عند جدي مجبور ومقهور؛ لأنه الحاكم المشهور والتنصل وعدم الانصياع لأوامره أمر شاق غير ميسور.

فشل والدي في ترويض القردين وأصبحت كل آماله أن يسعد في الحياة فردين ألا وهما أنا وأمي تلك الزوجة الرقيقة التي كانت بالأمس العدوة الصفيقة.

وعاد أبي لسابق عهده ونسى أمثال جدته العتيقة، وكلما حدثته نفسه بافتعال الشجار تذكر صنيع الجد وشكوى الجار فيستعذ على الفور من الشيطان ويضحك للوالدة ويطلب منها الصفح والغفران؛ وذلك لأنه خاف إذا تمادى في الشجار، أن يلزمه جدي في المرة القادمة بترويض أنثى الفهد القاتلة.

هذه كانت حكايتي التي صغتها لا تضحك إذا سمعتها، ولكن لتتريث في معاملة النساء فهن ضعيفات ولا يجدن سوى البكاء.

فالأحرى منك أن تلاطفهن ولا تنصب نفسك حكمًا على تصرفاتهن وتمازحهن، فهن كما قال الحبيب خلقن من ضلع أعوج، لا سبيل إلى تقويمه بل لا بد من القبول به كما هو لكي تسعد.

دُمتم بكل ود.

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أبريل 27, 2023, 5:14 م

قصة رائعة بالفعل... وتحصل بأغلب المنازل، طريقة العقاب كانت طريفة جداً ودرس بنفس الوقت... وأعان الله أمهاتنا على تحمل كل نفس صعب... مشكورة على لفت الإنتباه لمعاناة النساء في منازلهن الأكثر أمناً في العالم ♥️

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أبريل 27, 2023, 8:02 م

حبيبتي ♥️ تسلمي ،وهذا واجبي أن أدافع عن النساء في كل مكان وأن أعبر عما يتعرضن له من ظلم وعدوان.

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أبريل 28, 2023, 8:41 ص

لقد وصفتي معاناة الكثير من النساء،،🥀بطريقة رائعة،❤️ أدعوكي لتشجيع في مجالي أن أمكن...وشكرا

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أبريل 28, 2023, 2:11 م

تكرم عينك أكيد طبعا

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أبريل 29, 2023, 2:59 م

ما أجمله من كلام يحرك الضمير والوجدان سلمت يداكِ

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أبريل 29, 2023, 9:09 م

سلمت حبيبتي وشكرا لمرورك الكريم 🌹

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مثل قديم قد سمعته من جدي منذ سنوات ألا وهو " مشورة المرة ترجع سنين لوره " هذا المثل شائع بنفس المعنى مع اختلاف الألفاظ لكنه لا ينطبق على كل النساء .. بديل أسماء .. سلمت أناملك أيتها الرائعة .

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ولكنني أرى تغييرا جذريا في الأسلوب ..فقد اتخذت طريقة المقامات، مقامات بديع الزمان الهمزاني ..

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

بدليل أسماء

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 8, 2023, 10:57 ص - سندس إبراهيم أحمد
ديسمبر 8, 2023, 10:28 ص - سمر سليم سمعان
ديسمبر 7, 2023, 7:56 م - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 6, 2023, 8:20 ص - جوَّك آداب
ديسمبر 6, 2023, 5:38 ص - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 5, 2023, 12:07 م - ايه احمد عبدالله
ديسمبر 5, 2023, 6:33 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 11:08 ص - محمد عربي ابوشوشة
ديسمبر 4, 2023, 8:21 ص - عائشة محمد عبد الرحمن غريب
ديسمبر 3, 2023, 12:38 م - محمد محمد صالح عجيلي
ديسمبر 2, 2023, 8:31 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 1:12 م - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 30, 2023, 9:41 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 30, 2023, 9:14 ص - حسن بوزناري
نوفمبر 30, 2023, 6:36 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 30, 2023, 6:01 ص - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 28, 2023, 7:07 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 6:48 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 5:34 ص - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 27, 2023, 10:49 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 27, 2023, 9:50 ص - محمد عربي ابوشوشة
نوفمبر 26, 2023, 9:14 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 26, 2023, 8:54 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 24, 2023, 9:55 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 24, 2023, 9:03 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 5:14 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 23, 2023, 3:18 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 23, 2023, 11:13 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 10:15 ص - سومر محمد زرقا
نوفمبر 23, 2023, 9:11 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 22, 2023, 1:01 م - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 22, 2023, 9:13 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 21, 2023, 5:02 م - أحمد عبد المعبود البوهي
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - هبه عبد الرحمن سعيد
نوفمبر 20, 2023, 7:07 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 19, 2023, 12:12 م - التجاني حمد احمد محمد
نوفمبر 18, 2023, 11:20 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 18, 2023, 10:59 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 16, 2023, 2:07 م - بوعمرة نوال
نوفمبر 16, 2023, 9:00 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 14, 2023, 4:49 م - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 14, 2023, 2:00 م - سالمة يوسفي
نوفمبر 14, 2023, 7:57 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 14, 2023, 6:19 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 7:38 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 6:59 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 12, 2023, 8:39 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 11, 2023, 4:56 م - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
نوفمبر 11, 2023, 2:17 م - منال خليل
نوفمبر 11, 2023, 7:49 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 10, 2023, 12:05 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 10, 2023, 9:02 ص - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 9, 2023, 9:49 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 12:36 م - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 9:53 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 9:46 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 7, 2023, 9:35 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 7, 2023, 5:10 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 6, 2023, 11:03 ص - بدر سالم
نوفمبر 5, 2023, 10:20 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 4, 2023, 8:32 م - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 4, 2023, 3:28 م - ناصر مصطفى جميل
نوفمبر 4, 2023, 2:19 م - بدر سالم
نوفمبر 4, 2023, 10:57 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 3, 2023, 7:42 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 3, 2023, 5:45 ص - ياسر الجزائري
نوفمبر 2, 2023, 9:19 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 2, 2023, 9:14 ص - إياد عبدالله علي احمد
نوفمبر 1, 2023, 3:12 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 11:39 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نوفمبر 1, 2023, 8:10 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 1, 2023, 6:21 ص - نجوى علي هني
أكتوبر 31, 2023, 7:34 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:16 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 7:06 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 6:50 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 6:42 م - فرح راجي
أكتوبر 31, 2023, 1:59 م - أسماء خشبة
أكتوبر 31, 2023, 1:37 م - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
أكتوبر 31, 2023, 9:17 ص - احمد صالح احمد مقبل الصيادي
نبذة عن الكاتب

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com