قصة «فاشا».. قصة قصيرة

كانت فتاةٌ تُدعى "فاشا" دائمًا ما عُرفَ عنها أنها عنيدة وعصبية ولا تولي سمعها لأحد. وقد كانت تُحب البحر كثيرًا، لكنها لم تكُن تُجيدُ السباحة أبدًا، ولم يسبق لها أن وطئت شاطئه حتى بأطرافِ قدميها.

قررت ذاتَ مرَّةٍ أن تذهبَ في نُزهةٍ بحريَّة بعد أن نشرتْ منشورًا في إحدى صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي أنها ستذهبُ لتسبح في المحيط! تحدَّت نفسها ومن حولها، حذَّرها أهلها وجميع من يعرفها، ولكن لا أذنٌ تسمع ولا عينٌ ترى. أخذت كل ما يلزمُ لتقضي أيامًا حافلةً بالمغامرات وأغلقت هاتفها وجميع ما قد يجعلُ من يعرفها قد يصلُ إليها.

أخبرتهم أنها ذاهبةٌ وستعود بعد يومين لا أكثر، وعندما وصلت الشاطئ أخذت نفسًا عميقًا وقالت بصوتٍ كلهُ جنون: يااااه أخيرًا سأدخلُ موسوعةَ غينيس أول فتاة تسبحُ في المحيط؟

ضحكت على نفسها وأخذت تُعدُّ خيمة ولبست المايوه وتأهَّبت للنزول. وبينما هي كذلك انزلقت إحدى قدميها على قطعةِ زجاجٍ مكسور حُفِرَ عليها "تذكَّر دائمًا أنَّك لن تحتاجَ إلى من يُنقذكَ وأنتَ في الشاطئ".

جرح الزُّجاج وأدمى قدمها، فأخذته بيدها وألقتهُ بعيدًا، ولوَتْ شفتيها وأعادت بسُخرية: "تذكَّر دائمًا أنَّك لن تحتاجَ إلى من يُنقذكَ وأنتَ في الشاطئ". أخبرْ بها نفسكَ أيها الوغد. عقَّمت الجرح وأكملت طريقها كأن شيئًا لم يكُن، تُنسي نفسها ألمها بالتفكير: بعد قليلٍ سيُصبحُ اسمي من يُخلِّد ذِكرى عائلتي كلها ومن يأتي بعدهم.

اقرأ أيضًا: قصة "حسين والقمر" قصص خيالية

شغلت الكاميرات لتُوثِّقَ كل شيء، اقتربت من المحيط، وجلست على إحدى صخورهِ، ووضعت قدمها اليمنى داخل الماء، ءاااءء! يا إلهي الماء باردٌ جدًا! لا بأس ستعتادُ قدمي ومن ثم كل جسدي، ووضعت قدمها الأخرى وأغمضت عينيها وسرحتْ بخيالها بعيدًا، لم تفق إلا على صوت أحدهم: "هيييييي فاشا قرش". 

فتحتْ عينيها، وإذ بقرشٍ ضخمٍ يقتربُ منها. توقف تدفُّقُ الدمِ بأوعيتها لوهلة، وبغير وعيٍ منها أخرجت قدميها وسارعت بالركض، والمياهُ من خلفها تتطاير وكأن حجرًا سقط من السماء عليها. كانت دائمًا تتمنى الموت، وحينها فقط شعرتْ أنها تُحب الحياة جدًّا. ابتعدت عن الشاطئ قليلًا وهي تلفظ أنفاسها.. يا إلهي كدتُ ألقى حتفي، وبلحظة غير بعيدة صاح لها القرشُ من بعيد: فاشا الفاشلة الفشل مرهونٌ باسمك، ولتكُن هذهِ النصيحةُ هديَّة نجاتك من أنيابي. "لن تحتاج إلى سفينةٍ تُنقِذكَ وأنت في الشاطئ".

ذهَبتْ فاشا والذُّعرُ يتملَّكُ روحها، وخلعت ملابسها ولم تكُن تُصدق ما حدث معها، أقسمت أنها لن تستسلم على الرغم من كل شيء وهرعتْ للنوم.

في اليوم التالي استيقظت وكلها إصرار، اليومَ يومُ الموسوعة إما أكون أو لا أكون. ذهبت واستأجرت قاربًا متهالكًا يُلائمُ إمكانياتها فأعطاها البحَّار القارب والمجاديفَ، وقال لها: إن كنتِ بحاجة لمن... سحبت المجاديف بكل غلظة ولم تجعلهُ يكملُ كلامهُ. قالت له: أعطني وخذ مالك ولا شأن لكَ بالباقي.

ركِبت القارِبَ والبحَّارُ يعلمُ أنها شقيَّةٌ وسوفَ تأتي بكارثة. أعطاها كل شيء وعندما ركِبتْ وغابت عن عينيهِ ذهبَ لمخيمها ووجد أوراقها الثبوتية، ووجد الهاتِفَ يرِنُّ فقال لهم ابنتكمْ وسط المحيط! 

فاتصلوا بخفر السواحِل لأنهم يعرفونَ ابنتهم حق المعرفة.. أخذت فاشا تُجدف وتجدِّف حتى وصلت منتصف المحيط حيثُ لا أصوات العصافير ولا شيء غير السكون، وأصواتٌ غريبة كما في أفلامِ الرُّعب، لا شيء سِوى مياهٍ تُحيطُ بها من كلِّ اتجاه، شعرتْ فاشا بالرُّعب، والليلُ بدأ يحلُّ شيئًا فشيئًا. وضعت يدها على خدها وقالت: أوووف كيف أعودُ الآن؟ ابتعدتُ كثيرًا عن الشاطئ والأمواجُ تسيرُ باتجاهٍ غير الاتجاه الذي تريده.

غضبت، وقد كانت مسبقًا ملاكمة محترفة، وضربت بالمجدافِ طرف القارب ضربةً وكأنها تُصارعُ أحدهم، ضربةً خرقتهُ؛ ما جعلَ الماء ينسابُ إليهِ، وهكذا حتى غرقَ ربعهُ، ثم ثُلثهُ، ثم نصفهُ ثمَّ كلُّهُ، وهي لا تعرفُ السباحةَ أبدًا. أنقذوني.. أنقذوني.. ولكن لا حياةَ لمن تُنادي، أسماكُ القرشِ والحيتان والمرجانُ وحدهم من يسمعون.

استسلمت للغرقِ، وفقدت الوعي، وطفت على سطحِ المحيط. ولحُسن الحظ أن خفرَ السواحلِ لديهم علم بأن شقيّةً تاهت في المحيط فكانوا يبحثون بجد، وبينما هي كذلك وبعد وقتٍ ليس بطويل رآها أحد رجالِ الإنقاذ، فرأوا شيئًا يطفو وحولهُ سمكُ قرشٍ وكأنهُ يحرسها، وقد تنبؤوا أنها فاشا فأتوا مسرعين. وفعلًا كانت فاشا، لكنهم لم يتعرفوا عليها، فقد انتفخَ كلُّ ما فيها بفعلِ المياه.

صعدوا بها إلى السَّفينة، وفي طريقهم للعودةِ قالت لهم سمكةُ القرشِ وهي تضحكُ: كنتُ أنتظرها تستيقظ، ولكنها لم تفعل. أخبروها عندما تصحو هذهِ الساذجة أنها لم تَكُن لتنجو من فكِّي لو لم أرأف بحالها وبخصلاتِ شعرها المتطاير، ودعوها تُعلق على جدار غرفتها هذهِ العبارة "قبل نزولكَ المحيط تذكر بأنك إن لم تكُن ماهِرًا بالسباحةِ ستحتاجُ إلى سفينةٍ لتُنقِذك". إلى اللقاء أيتها الساذجة، وعاد للبحر.

اقرأ أيضًا: قصة "الطبيب والفتاة الريفية" قصص رومانسية

وعند وصول فاشا إلى المشفى بعد ساعات كانت قد استيقظت، ولكن عقلها لم يستيقظ بعد: أينَ أنا؟ من أنا؟ من أنتم؟! هدَّأوا روعها، وعندما تأكدوا أنها بخير أخبروها برسالةِ القرش، فعضَّت شفتيها وقالت بكل غضب: يا لهذا القرش ال******* سيرى مني ما لا يعجبهُ!

نظر رجالُ الإنقاذِ إلى بعضهم بعضًا وأعينهم تقول: يبدو أنها لم تتعلم الدرس.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة
بقلم عائشة عادل ابوسريع
بقلم طارق السيد متولى
بقلم محمد احمد الهواري
بقلم محمد احمد الهواري