قصة "غير صالحة".. قصص قصيرة

استيقظت فزعةً لليوم الثالث على التوالي على هذا الكابوس: "أُطعم الحمام البيضاء على شرفتي يطير قليلًا ليعود ساقطًا ميتًا فيها وأنا أنظر إليه باستغراب"! 

عدَّلت جلستي وأخذتُ أفكر ما سبب تكرار ما أراه؛ ما الذي فعلته؛ أي خطأ أرتكبه ويتّم تنبيهي؟ يؤرّقني شعور الفزع هذا.  

ترى هل أخطأت بحق تلك الفتاة التي تتصل بي منذ خمسة عشر يومًا بلا كلل ولا ملل لتسمعني كلمات الغزل الخارجة من فيّها بقرف؛ فأرد عليها بألفاظ قاسية تزعجني ولا تزعجها؛ فما اعتدت تلفظّها أبدًا. 

غريبة حقًا بإصرارها رغم تهديدي لها أني سأتسبب بطردها من مكان عملها بعد أن تبيَّن لي أنها تتصل من مقسم هاتف لمنطقة معينة. 

صوت داخلي اقترح عليَّ أن انتظر اتصالها المعتاد وأستمع لقصتها؛ كنوع من تغير ردات فعلي معها؛ كنت كلما ازددت انزعاجًا منها وانهمرت عليها بألقاب نابذة ازدادت إصرارًا على اتصالاتها. ومن الواضح أنها لا تحب الجنس الذكوري أبدًا. 

إذ لحظة أعطيت السماعة إلى زوجي البارحة ليحادثها أقفلتها في وجهه. 

جهزت أمور البيت والأولاد وانتظرت اتصالها؛ مرّ الوقت عُمرًا. 

وها هو صوت الهاتف يعلن عن موعد اتصالها.

-ألو

-بصوتها الخافت ألو؛ كيفك؛ مع تلك التغزلات التي اعتادت اسماعي لها. 

-اسمعيني جيدًا؛ أولًا اليوم قررت أن أصبر عليك ولا أتلفظ ببنت كلمة مسيئة لك، معك كل الوقت لتخبريني قصتك؛ تأكدي أني لن أقاطعك ولن أتفوه حتى تنهي كل ما في داخلك. 

من الواضح أنك تكرهين الرجال كما قلتِ لي سابقًا ولا بدّ لهذه الكراهية من سبب أليس كذلك؟

 ساد الصمت وغابت أنفاسها على عكس ضربات قلبها التي سمعتها عن بُعد وكأنها راحت تجوب في فضاء ماضيها وأيامها.

- من أين سأبدأ؛ فاجأني كلامك 

- من حيث تشائين فأنا آذان صاغية لك.

- منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أسمع أن همّ البنات للممات وهكذا اقتنعت أني همٌ ثقيل وما أن بلغت الحادية عشر من عمري حتى أضيفت عبارات أخرى لم أفهم أبعادها:

" متى تتزوجين؟ الله يفتح نصيبها عن قريب، لن أرتاح حتى أزوجها لأول خاطب لها"   

ولم يمرّ العام إلا وكنت سعيدة الحظ التي تم الموافقة عليها لوحيد أمه الذي يكبرني بأكثر من ضعف عمري. 

تريد أن تفرح به وتربيني على يديها هكذا كما سمعتها تقول لأمي عندما جاءت أول مرة لزيارتنا. 

فرحت بالثوب الأبيض ولا سيما أن بنات عمي وعماتي وخالاتي قد سبقنني وارتدينه. 

لم يمضِ أسبوعًا حتى ارتدت والدته وجهًا آخرًا لها، وبدأت معي رحلة السؤال عن جنين أخبئه في أحشائي؛ لم تكن تلومني وحدي بل أحيانًا توبخ ابنها أيضًا. 

لا بد من تكرار المرات للإسراع بعملية الحمل. 

مضى شهرًا ولم يحدث الحمل؛ فكانت زياتي الأولى لطبيبة نسائية برفقة والدة زوجي التي زوجت ابنها لتفرح بأولاده.

وهنا كانت الكارثة! 

عندما قالت الطبيبة أنّ جهازي الأنثوي لم يكتمل بعد ويحتاج إلى وقت ليحدث الحمل 

وكأن أذنيّ حماتي أغلقتا عند "لم يكتمل" لم تسمع باقي العبارات والتوصيات المقترحة من الطبيبة. 

جرّتني إلى البيت كالغنمة؛ وهي تبرطم بكلمات لم أفهم منها شيئًا. 

وأنا أفكّر بكلمات وتوصيات الطبيبة؛ لقد لمّحت لشيء قالت: إني ما أزال صغيرة على هذه الأمور؛ قالت: إنّ هذا إجرام في حقي كطفلة. 

 وسألت عن طريقة تفكير أهلي؟   

علقَت كلماتها كالحلق في أذنيَّ. 

الصّدمة كانت عن وصولنا إلى البيت. 

_ألو هل أنت معي. 

_ نعم نعم أسمعك قلت إني لن أقاطعك تفضلي أكملي. 

_ رمتني بجانبه وهي تقول له هذه "غير صالحة للاستخدام البشري، جهازها الأنثوي غير مكتمل هكذا قالت الطبيبة" .

صُعق الرجل. 

وجرّني إلى بيت أهلي وكأني ارتكبت إثمًا لا يغتفر. 

وصاح بهم وكأنهم خدعوه وله أن يصدق أنهم قاموا بخداعه فهم كانوا يطلبون أي عريس لابنتهم. 

رماني في بيت أبي؛ عفوًا لم يكن بيت أبي كان سجن أبي وإخوتي. 

وصاحبني لقب "غير صالحة للاستخدام البشري". 

وبتّ أكثر همًا على قلب والديّ، ألم يرددا دائمًا أن همّ البنات للممات؛ 

كم مرة سمعتهم يتمنون موتي؟ 

مرت سنينًا أربع على هذه الحال حتى قررت الهروب من ذاك السجن القاتل. 

رغم أن طليقي تزوج مرتين ولم ينجب إلا أنه لم يلحقه أي لقب أو أي عيب. 

تمنيت لو أمتلك الشجاعة والقوة وأقتله وأقتل أب وإخوتي أو لو أقتل الرجال كلهم. 

بعد أن تمكنت من إيجاد مأوى لي وعملًا بسيطًا. 

قررت أن أُسمع البنات كلمات جميلة؛ لماذا يكرهن سماعها؟ 

__في الحقيقة تخرج بشعة من الفتاة إلى الفتاة ربما لأن الأمر غير طبيعي. 

اسمعي لقد استمعت لكل ما قلتيه. 

عندي سؤال لك.. 

هل وقفتي مرة أمام المرآة ونظرتِ إلى نفسك وأخبرتيها بكل تلك الكلمات الجميلة التي ترددينها للأخريات؟ 

أو عندما تقفين أمام المرآة ماذا تقولين لنفسك؟ 

__ اختلف صوتها وارتجف؛ ثم بكت وقالت: 

أخبرها كم أنا أكرهها وكم هي بشعة ووسخة ولا معنى لوجودها. 

__عزيزتي أريد أن أطلب منك شيئًا جربيه..

فأنت تمليكن القوة والجرأة والأهم أنك تملكين الإصرار والصبر وهما مفاتيح النجاح. 

اتركي الماضي خلفك بل احرقيه. 

وابدأي كتابك بصفحة بيضاء جديدة.. 

اعتبري أنك ولدت من جديد وأنك لا تعرفين نفسك الماضية.

قفي أمام المرآة وانظري إلى نفسك نظرة جديدة مملوءة بالمحبة والعطف.

_ هل تعتقدي أني جميلة وقوية؟ 

_انظري إلى وجهك الجميل وكل ما تملكه من جمال طالما أنك من خلق الله فهذا كافٍ لتكوني أجمل ما في الكون. 

حوّلي كلماتك الجميلة إلى نفسك؛ ضميها وادعميها. 

اختنق نفسها؛ تصدّعت أوصالها وأجهشت ببكاء كسد انهار جداره فجأة.. 

للمرة الأولى منذ خمسة عشر يومًا تغلق هي سماعة الهاتف في وجهي. 

في اليوم التالي انتظرت اتصالها في الوقت المحدد؛ لم تتصل.. 

لأربعة أيامٍ على التوالي وأنا أنتظر اتصالها ولم تعاود الاتصال..

هذه المرة أنا بكيت وندمت على كلمات ما كان ينبغي لها أن تخرج، فالحقيقة لا نعرف منها إلا وجهًا واحدًا، هو الوجه الذي نراه أما الوجه الآخر فلا يعلمه إلا الله. 

ولكلٍ منا قصة وجع يتذوقها.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

سبتمبر 12, 2023, 8:09 ص

قصة جميلة 💮 طاب يومك 🌸

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سبتمبر 16, 2023, 1:26 م

حضورك الأجمل عزيزتي

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سبتمبر 15, 2023, 1:22 م

جمعة مباركة 🌷

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 28, 2023, 9:26 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 27, 2023, 7:17 م - محمد جاد المولى
سبتمبر 27, 2023, 2:43 م - صفاء السماء
سبتمبر 27, 2023, 2:30 م - أحمد سامى محمد الجمل
سبتمبر 27, 2023, 1:58 م - زينب هلال
سبتمبر 27, 2023, 1:17 م - نادية مصطفى حسن
سبتمبر 26, 2023, 9:05 ص - زينب هلال
سبتمبر 26, 2023, 6:35 ص - جلال ناجي حسن
سبتمبر 25, 2023, 2:52 م - جينا فاروق توما
سبتمبر 25, 2023, 8:55 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 24, 2023, 7:45 م - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 24, 2023, 7:04 م - أسماء خشبة
سبتمبر 24, 2023, 11:40 ص - حسن محمد قايد
سبتمبر 24, 2023, 6:14 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 23, 2023, 2:32 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 2:19 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 11:08 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 10:50 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 9:11 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 23, 2023, 6:46 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 21, 2023, 5:25 م - ليلى امير
سبتمبر 21, 2023, 1:47 م - أنس بنشواف
سبتمبر 21, 2023, 12:47 م - إياس فرحان الخطيب
سبتمبر 21, 2023, 12:26 م - آسيا نذير القصير
سبتمبر 21, 2023, 11:21 ص - زينب علي محمد
سبتمبر 21, 2023, 8:50 ص - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 21, 2023, 8:11 ص - أمل محمود قشوع
سبتمبر 21, 2023, 7:44 ص - سحر حسين احمد
سبتمبر 21, 2023, 7:37 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 20, 2023, 8:18 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 20, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 4:01 م - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 18, 2023, 2:57 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 18, 2023, 8:23 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 7:21 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 18, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 17, 2023, 4:00 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
سبتمبر 17, 2023, 9:58 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 17, 2023, 6:26 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 16, 2023, 1:31 م - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 15, 2023, 12:45 م - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 14, 2023, 9:01 ص - صفاء السماء
سبتمبر 14, 2023, 8:40 ص - شروق محمود محمد علي
سبتمبر 14, 2023, 8:05 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 14, 2023, 7:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 14, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 6:44 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 5:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 9:27 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 7:25 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 13, 2023, 6:19 ص - حسام عبدالله الساحلي
سبتمبر 12, 2023, 5:52 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 5:13 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 2:19 م - حنين عبد السلام حجازي
سبتمبر 12, 2023, 6:47 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 11, 2023, 7:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 2:57 م - مبدوع جمال هند
سبتمبر 11, 2023, 10:04 ص - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 11, 2023, 8:51 ص - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 7:07 ص - مصطفى جاد ابو العز
سبتمبر 11, 2023, 6:24 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 11, 2023, 5:09 ص - أنس بنشواف
سبتمبر 11, 2023, 5:08 ص - جلال ناجي حسن
سبتمبر 10, 2023, 10:54 ص - التجاني حمد
سبتمبر 10, 2023, 9:44 ص - أسماء خشبة
سبتمبر 10, 2023, 9:19 ص - شادى محمد نجيب
سبتمبر 9, 2023, 8:54 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 9, 2023, 1:14 م - هشام بوطيب
سبتمبر 9, 2023, 11:14 ص - صفاء السماء
سبتمبر 9, 2023, 11:10 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 9:51 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 6:48 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 1:07 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:59 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:33 م - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 11:54 ص - بومالة مليسا
نبذة عن الكاتب