قصة غيرت مجرى حياتي.. قصص قصيرة

أقف الآن بجوار النافذة المطلة على حديقة المنزل، ممسكةً بجهازي اللوحي وأكتب قصة ما، عادة أتخيل الأحداث من وحي الصور التي أشاهدها على الإنترنت؛ تخبرني بكثير من المواقف حتى وإن بدت للوهلة الأولى صامتة جامدة.

وحدي أنا أستطيع أن أحل شفرة هذا الصمت، فتدب الحياة في الصورة وتخبرني بقصتها بل ونتناقش حول النهاية.

لو أخبرني أحدهم أني سأُمسك قلمًا وأكتب لضحكت بكل سخرية، فلم أكن أتخيل نفسي كاتبة بأي حال من الأحوال، مع أني تلك المحبة للقراءة لدرجة الإدمان، أُمسك بالكتب ساعات طويلة، وقمة الإنجاز عندما أصل لكلمة الخاتمة، وقتها أُعيد القراءة مرة أخرى ولكن بتأنٍّ وحذر حتى أُعيد  تذوق الكلمات وأعايش الأحداث؛ وذلك لأن قراءة القصة في المرة الأولى يسيطر عليها الشغف لمعرفة المزيد ثم الحبكة ثم حل المشكلة أو عدم حلها وتركها للقارئ لكي يختار ما يشاء.

أما أن أكتب أنا القصص فهذا أمر لم يكن في الحسبان مطلقًا، غير أن الحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة، ودائمًا ما تحمل في طياتها كثيرًا من المفاجآت. 

ذات نهار وبعد شهرين كاملين من دراسة تكوين القصة والشخصيات والحبكة وطريقة الكتابة والحوار وما إلى ذلك من الأمور العقيمة التي لم أُعِرْها أي اهتمام (فلقد كان المعيار لديَّ لاستكمال كتاب ما هو إن كان يعجبني أو لا يعجبني، وإما أن يجذبني الكتاب فأظل أتتبع الكلمات حتى أصل إلى الخاتمة، وإما أن أتركه في مكانه بعد دقائق معدودة). أخبرتنا المعلمة أن الوقت حان لنصيغ قصصنا الخاصة، وقتها أُسقط في يدي وتوجَّست خيفة من كلامها واعتقدت أنها تهذي. لكن تلك الألمانية الجادة لا تعرف المزاح بأي حال من الأحوال. لو أُخبرها بأنها قد تكون أخطأت في قراءة المنهج، قد تكون الكلمة هي الاطلاع على قصة لا كتابتها، سيدتي لا أستطيع صدقًا كتابة أي قصة؛ فأنا تلك المشاكسة التي تجلس دون إنصات وتحضر معها قطتها في أغلب الأيام.

وقتها تمنيت أن تدرك أن كتابة القصص ليست سهلة ميسورة، فنحن ببساطة في صف ويوجد لوح أبيض لكتابة المسائل والشرح لا لكتابة القصص والروايات. ثم إن ابتكار الشخصيات وحده معضلة، ليتهم يبيعونها مغلَّفة في أكياس حتى نتمكن من شراء بعضها ثم نضع فوقها هذا الهراء من الصياغة، فتخرج قصة؛ حتى أستطيع اجتياز هذا الصف. وقتها تخيَّلت الشهادة وبها هذا السالب الأحمر الذي بمقتضاه سأعيد الكرَّة وأدرس صياغة القصة لمدة أطول. 

لم تكن الصعوبة في كوني أجد كتابة القصص أمرًا محالًا، بل لكوني سأكتبها باللغة الألمانية، فهذه معضلة كبرى، من باب أولى أن أكتبها بالعربية ثم تُحضر مترجمًا ما ليعيد صياغتها. كان ذلك ضربًا من الخيال؛ فنظرتها الحادة وتعليماتها المباشرة لم تكن تُنذر بأي خير.

جلست دون حراك؛ فالسيدة لا تتقبل المزاح، حاولت أن أركِّز معها علَّني أستطيع اجتياز تلك المادة الصماء، تنفَّست الصعداء عندما أخرجت من حقيبتها ورقة قالت إن بها نصف قصة وما علينا سوى أن نتخيل باقي الأحداث.

بدا لي الأمر في غاية السهولة، فما عليَّ سوى استكمال البناء، ولن أُجهد نفسي في البحث عن شخصيات وأحداث، ثم إن القصة تتحدث عن صبي وفئران، فلن يضرني أن أكتب بعض الكلمات لتشكِّل الخاتمة. حذرتنا من أن نبحث عن القصة على الإنترنت، وأرادت كلماتنا الخاصة، وأعطتنا مهلة يومًا كاملًا.

عُدت لمنزلي، وفرضت حاجزًا أمنيًّا حول غرفتي، ووضعت لافتة تشير إلى عدم الدخول؛ لأني بصدد كتابة قصة ما، وهو أمر معقد يقتضي التركيز ثم التركيز، ولم يعد يوجد أي متسع للهراء، لا بد أن أحصل على علامة النجاح حتى أتخلص من القصص وطريقة كتابتها.

أخرجت أوراقي وكل الأقلام، قرأت بداية القصة ولكن لم أفهم شيئًا! أي كاتب هذا الذي يجعل بطل القصة صبيًّا في السادسة ويترقب الفئران؟! لا بد أن أضيف روحي المازحة، فلا يُعقل أن أترك فرصتي لرسم البسمة على وجه تلك البائسة الألمانية حتى تعطيني درجة النجاح.

أخذت أردِّد قصتي طوال الليل في زهو منقطع النظير وأمدح نفسي وأُثني على موهبتي الخارقة، فلقد استطعت دون مساعدة أمي أن أكتب سبعة أسطر كاملة، وبدأت أرى نفسي وأنا أتسلم نوبل في الأدب عن مجمل أعمالي وإبداعاتي.

في الصباح حملت أوراقي وطلبت من أمي أن تمتنع عن تقديم الحليب على الإفطار؛ لأني أصبحت كاتبة ولا يليق بي شرب الحليب، وسأكتفي بقدح القهوة مثل باقي الأدباء.

في الصف سلَّمنا إبداعاتنا وأخذت المعلمة تقرأ كل قصة بصوت عالٍ، بعض القصص كان جادًّا عميقًا به بعض الأفكار، وبعض آخر كان ركيكًا وغير مفهوم على الإطلاق، وعندما حان دور قصتي الرائعة، ابتسمت تلك العابسة أخيرًا بل وأُعجبت بها، وأخبرتني أن القصة تشبهني كثيرًا. ولم لا وقد جعلت قطتي لونا ضمن الشخصيات وجعلتها تطارد الفئران وتعيد البسمة لوجه الصبي المفكر؟

استفدت من الملاحظات التي أبدتها، وبدأت أميل إلى أن كتابة القصص ليس بالأمر المحال، لكنها أخبرتنا أنها ستقرأ القصة الكاملة للكاتب؛ حتى يتسنى لنا أن نرى الفرق، لم أكن أعير اهتمامًا لهذا الجزء؛ فما هو إلا زميل مهنة سنرى تصوره للأحداث. 

عقب أول سطر اعتدلت في مقعدي، وأخذت أنظر إليها في صمت، ومع كل كلمة تنطقها بدأت أشعر بأحاسيس متضاربة. غير أن ما استقر في نفسي وقتها هو أنني تافهة حقيرة بلا جدال. انهمرت الدموع من عيني، وسلَّمتنا نسخًا مصورة من القصة الأصلية. كانت تلك القصة بمنزلة صفعة غير متوقعة لي.

لقد اجتمعت كل معاني الإنسانية والبراءة في سطورها، ولو لم يكتب توماس مان Tomas Man غيرها لكفته. لقد تحدَّث عن صبي يرفض النوم ليلًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ وذلك لأنه علم أن الفئران تنشط ليلًا وتأكل الجثث التي تحت أنقاض البيوت التي قُصفت، وهذا الصبي فقدَ أخاه الصغير  جرَّاء القصف، وجثة الرضيع ما زالت تقبع تحت الأنقاض، والصبي يُمضي الليل ساهرًا ليمنع الفئران من الاقتراب من جثة الرضيع. 

وقتها كرهت كلمة الحرب؛ لأنها تعني الدمار، تعني أن نفارق من نحب. لكن وصف الكاتب لما يشعر به الصغير كان غاية في الروعة والإتقان. سلمت يداه لأنه استطاع ببراعة أن يجعلني أشعر كيف يفكر الأطفال، ولم أكن أعلم أنهم يحملون كل هذا القدر من النقاء. وتساءلت كثيرًا عن جدوى الحروب، وأخذت أطالب بمعاقبة من تسوِّل له نفسه أن يشن حربًا على المدنيين الضعفاء.

امتنعت عن الكتابة مدة طويلة، فلقد أدركت أن القلم مسؤولية كبيرة، قد يُستخدم للترفيه لكنه في المقام الأول أمانة ورسالة، من الممكن أن تغيِّر وجه الأرض لصورة أخرى يملأها الحب والسلام والإخاء.

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
نوفمبر 30, 2023, 1:12 م - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 30, 2023, 9:41 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 30, 2023, 9:14 ص - حسن بوزناري
نوفمبر 30, 2023, 6:01 ص - جهاد عبدالرقيب علي
نوفمبر 29, 2023, 2:45 م - ايه احمد عبدالله
نوفمبر 29, 2023, 10:44 ص - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 28, 2023, 7:07 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 6:48 ص - ظافر أحمد أحمد
نوفمبر 28, 2023, 5:34 ص - محمد سمير سيد علي
نوفمبر 27, 2023, 10:49 ص - أسماء خشبة
نوفمبر 27, 2023, 9:50 ص - محمد عربي ابوشوشة
نوفمبر 26, 2023, 2:58 م - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 25, 2023, 7:38 م - دكتور/ حاتم جمعة محمد علي Dr.Hatem Gomaa Mohamed Ali
نوفمبر 24, 2023, 9:55 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 24, 2023, 9:03 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 5:14 م - عبدالخالق كلاليب
نوفمبر 23, 2023, 3:18 م - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 23, 2023, 11:13 ص - سفيان صابر الشاوش
نوفمبر 23, 2023, 10:54 ص - تسنيم محمد خير البيطار
نوفمبر 23, 2023, 10:15 ص - سومر محمد زرقا
نوفمبر 23, 2023, 9:11 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 22, 2023, 1:01 م - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 22, 2023, 9:53 ص - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 22, 2023, 9:13 ص - حسن المكاوي
نوفمبر 21, 2023, 5:02 م - أحمد عبد المعبود البوهي
نوفمبر 21, 2023, 1:23 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 21, 2023, 6:16 ص - هبه عبد الرحمن سعيد
نوفمبر 20, 2023, 6:51 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 19, 2023, 12:12 م - التجاني حمد احمد محمد
نوفمبر 19, 2023, 9:51 ص - اسامه غندور جريس منصور
نوفمبر 18, 2023, 11:20 ص - مصطفى محفوظ محمد رشوان
نوفمبر 18, 2023, 10:59 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 16, 2023, 2:24 م - رانيا رياض مشوح
نوفمبر 16, 2023, 1:42 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 16, 2023, 9:00 ص - زبيدة محمد علي شعب
نوفمبر 15, 2023, 6:40 م - ناجي عبد العظيم محمد علي
نوفمبر 15, 2023, 11:18 ص - أيمن صبحي الاصفر
نوفمبر 15, 2023, 8:43 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 14, 2023, 8:00 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 14, 2023, 4:49 م - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 14, 2023, 2:00 م - سالمة يوسفي
نوفمبر 14, 2023, 10:11 ص - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 14, 2023, 7:57 ص - سيرين غازي بدير
نوفمبر 14, 2023, 6:19 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 12:58 م - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 13, 2023, 7:38 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 13, 2023, 6:59 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 12, 2023, 10:53 ص - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 12, 2023, 9:47 ص - عمرو رمضان محمد
نوفمبر 12, 2023, 8:39 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 12, 2023, 5:42 ص - سمسم مختار ليشع سعد
نوفمبر 11, 2023, 2:17 م - منال خليل
نوفمبر 11, 2023, 1:41 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 11, 2023, 7:49 ص - رايا بهاء الدين البيك
نوفمبر 10, 2023, 12:05 م - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 10, 2023, 9:02 ص - هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل
نوفمبر 9, 2023, 9:49 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 12:36 م - جوَّك آداب
نوفمبر 8, 2023, 9:53 ص - جوَّك آداب
نوفمبر 7, 2023, 2:20 م - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 7, 2023, 9:46 ص - هاجر فايز سعيد
نوفمبر 7, 2023, 9:35 ص - غزلان نعناع
نوفمبر 7, 2023, 9:19 ص - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 7, 2023, 8:07 ص - جوَّك لايف ستايل
نوفمبر 7, 2023, 5:10 ص - محمد محمد صالح عجيلي
نوفمبر 6, 2023, 7:12 م - عمرو رمضان محمد
نوفمبر 6, 2023, 11:03 ص - بدر سالم
نوفمبر 5, 2023, 10:20 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
نوفمبر 4, 2023, 8:32 م - حنين عبد السلام حجازي
نوفمبر 4, 2023, 3:28 م - ناصر مصطفى جميل
نوفمبر 4, 2023, 2:19 م - بدر سالم
نوفمبر 4, 2023, 10:57 ص - هاجر فايز سعيد
نبذة عن الكاتب

أكتب القصص القصيرة .اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط التونسية ،وأكتب المقالات على مدونة رحالة في تاوي المصرية، وأكتب على مدونة أنامل عربية اللبنانية، وأكتب محتوى لقناة رسالة المصرية على يوتيوب، حاصلة على منحة هيئة التبادل العلمي الألمانية DAAD. khashabaasmaa@gmail.com