نبدأ من حيث انتهينا في الجزء السابق..
...............
يوم جديد مع ربيع حيث الأفكار الحالمة وحب المغامرات والعجائب...
لم يكن ربيع الولد الوحيد للأسرة الصغيرة، بل هو الولد الأصغر... فإن له شقيقًا يكبره بسنتين... إنه كريم، الذي يبلغ من العمر 12 عامًا... إنه في الصف السادس الابتدائي، وربيع في الصف الرابع الابتدائي... أما والدة ربيع، فإنها ماما كاميليا، الأم الرائعة التي تعمل مترجمة في بنك حكومي شهير حتى تستطيع منح أسرتها حياة كريمة... ووالده عثمان يعمل رئيس مجلس إدارة إحدى شركات السيارات المعروفة...
ذهب ربيع مسرعًا إلى غرفة والده لاستكمال حديثهما عن القمر والسحاب، وكيف يمكن أن تصل الطائرة إلى السماء ولا ترى القمر؟ لكن والده ما زال نائمًا لأن اليوم هو يوم الجمعة... وهو يوم الإجازة الأسبوعية...
ماما كاميليا: «ربيع... ربيع... هيا تعالَ إلى المطبخ حتى تساعدني على تحضير مائدة الإفطار... هيا خذ طبق البطاطس هذا وضعه على السفرة... ثم تعالَ لتأخذ طبق السلطة الخضراء والخبز...»
ربيع: «حاضر يا أمي... ولكن متى يستيقظ والدي؟... أنا أريد أن أتحدث معه...»
ماما: «والدك سيستيقظ حالًا بمجرد أن يسمعنا جميعًا جلسنا على مائدة الإفطار...»
كريم: «هيا يا أمي... هيا يا ربيع... أنا أشعر بالجوع...»
ماما: «تعالَ يا كريم... خذ طبق الجبن وطبق العسل...»
كريم: «ياه... العسل الأبيض يجنن يا أمي... أنا أحبه جدًّا...»
ربيع: «... وأنا أيضًا أحب العسل الأبيض...»
ماما: «حسنًا... العسل مفيد جدًّا لصحة الجسم...»
بابا عثمان: «صباح الخير...»
ربيع: «أبي... أخيرًا استيقظت من النوم... أنا أريدك أن تكمل لي قصة القمر»
كريم: «القمر... ما القصة؟»
ماما: «يا ربيع، ممكن تتناول الإفطار ثم تسأل عن القصص...»
ربيع: «أنا سآكل، أمي، وفي نفس الوقت سأسمع قصة القمر... يا أمي، والدي يقول إننا عندما نصل إلى السماء بالطائرة لن يقابلنا القمر...»
كريم: «طبعًا يا ربيع، لن تقابل القمر لأنه كبير جدًّا... لقد تعلمت ذلك في المدرسة، وعرفت أن القمر بعيد جدًّا عن الأرض، وقد درسنا هذا في مادة العلوم في الفصل الدراسي الثاني...»
بابا: «بالفعل يا كريم... القمر يبتعد كثيرًا عن الأرض... يبتعد بمقدار 384,400 كيلومتر... يبتعد آلاف الكيلومترات يا ربيع... لهذا فإنك لن تقابله عند السفر بالطائرة لأن الطائرة ترتفع بمسافة أقل، تكون في المعتاد حوالي 12 كيلومترًا... أرأيت كم الفارق يا ربيع؟ هل فهمت؟ كأن القمر أرض أخرى لكنها بعيدة عن الأرض، وفي نفس الوقت هو أصغر من الأرض بمقدار 50 مرة، ما يوحي لك أن القمر كرة مدورة صغيرة يمكننا أن نراها بجوارنا في الطائرة...»
ربيع: «عجيب جدًّا يا والدي ما تقوله عن القمر... القمر كبير جدًّا لكنه أصغر من الأرض... ياه ه ه... وهل هذا يعني أن القمر يمكن أن يسقط على الأرض يا والدي؟»
بابا: «لا يا ربيع... القمر لم ولن يسقط على الأرض، لأن الله نظم الكون، وجعل لكل قمر وكوكب مدارًا يدور فيه... فالقمر، على الرغم من أنه كبير، لكنه بعيد، ومن ناحية أخرى، فهو يدور بسرعة، ولهذا لا يسقط على الأرض.»
قال تعالى في القرآن الكريم: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»
ستجد الآية يا ربيع في سورة الأنبياء، رقمها 33.
ماما كاميليا: «تذكرت بحديثكم هذا عندما كانوا يدرِّسون لنا في المدرسة الجاذبية الأرضية... وسقوط التفاحة...»
ربيع: «سقوط التفاحة والجاذبية... ماذا تقصدين يا أمي؟»
ماما كاميليا: «إنها حكاية كبيرة يا ربيع، يمكن لوالدك أن يلخصها لك، لأني الآن سأترككم لتنظيف المنزل...»
بابا: «الموضوع بسيط يا ربيع... ماما تحدثك عن الجاذبية الأرضية... ولولا الجاذبية الأرضية لما استطعنا أن نسير بثبات على الأرض... والقمر يتأثر بجاذبية الأرض كما ذكرت لك، لكنه يبتعد جدًّا عنها، بالإضافة إلى سرعة دورانه حولها، وهذا يجعله في توازن مداري...»
ربيع: «يا والدي، لقد قرأت العام الماضي قصة تتحدث عن مشروب سحري يمكن به أن يتغير شكل الإنسان ويمتلك أجنحة تمكِّنه من الطيران.....»
بابا: «ههههههههههههه... هل أصبحت يا ربيع تُصدِّق القصص الخيالية والأساطير؟»
ربيع: «خيال تاني يا أبي... يا أبي أنا لا أحلم... وأتكلم عن قصة حقيقية كما يحكي صاحبها...»
بابا: «وهل تصدق كل ما يذكره الحكَّائيون وأصحاب القصص؟»
كريم: «ألم أقل لك يا والدي إن ربيع يحلم كثيرًا ويتخيل حكايات خرافية...»
ربيع: «لا يا والدي... لا تصدقه... أنا لا أكذب... أنا قرأت تلك القصة فعلًا وعرفت أن الحياة لا يوجد بها مستحيل... حتى الأحلام يا كريم التي تسخر منها يمكن أن تصبح حقيقة...»
كريم: «هههههههههههه... أنت يا ربيع ما زلت صغيرًا ولا تعرف الحياة...»
ربيع: «أنا لست صغيرًا، وأنا أصغر منك بسنتين فقط... والسن ليس مانعًا أمام الأحلام الكبيرة...»
بابا: «بهدوء يا أولاد... يا كريم، لا تسخر من أفكار أخيك... وأنت يا ربيع، لا تغضب من كلمات كريم، فهو يراك تميل لما تحب أكثر من اللازم... وهذا يستتبع أفكارًا خيالية يصعب تحقيقها... وأحيانًا يستحيل أن تتحقق... ولكن، أنا معك يا ربيع أن السن ليس مقياسًا للأحلام مهما كانت كبيرة وعظيمة...»
كريم: «.... صحيح يا أبي... عندك حق... لا تغضب يا ربيع... الآن الساعة الثانية عشرة... أنا مضطر أن أذهب الآن للنادي...»
بابا: «هيا بنا جميعًا لكي نذهب للمسجد لأداء شعائر صلاة الجمعة.»
كريم: «أنا سأصلي الجمعة في النادي اليوم... أراكم على خير...»
بابا: «لا تتأخر يا كريم... سننتظرك في الغداء...»
ربيع: «لا تتأخر يا كريم...»
كريم: «سآتي بعد أن أنتهي من تدريب كرة القدم...»
بعد أن انتهى الوالد عثمان وربيع من أداء شعائر صلاة الجمعة، عادوا إلى المنزل لتناول الغداء... وفيما بعد، عاد كريم هو الآخر إلى المنزل لتجتمع الأسرة الصغيرة مرة أخرى على المائدة، وليتبادل كل منهم الأفكار...
تُعد المائدة هي المكان الذي يجمع أفراد الأسرة دائمًا، حيث تعمل على ربط أواصر التقارب والمودة، وعرض كل ما يستجد من موضوعات ومشكلات... وقد كان الوالد عثمان على قدر كبير من الذكاء والمرونة التي تجعله حريصًا على اجتماع الأسرة على مائدة الإفطار والغداء بصفة خاصة، وليس ذلك من قبيل التشدد، بل بدافع جمعهم معًا حتى يجعلهم يشدُّون من أزر بعضهم، وعلى هذا يجب أن يسير نهج الأسرة...
في نهاية اليوم، عاد ربيع إلى غرفته لكي يخلد إلى النوم، ولكنه لم يستطع أن ينام، إن حبه للسحاب والطبيعة غلب على عقله... ولهذا فقد أخرج مفكرته الخاصة ليدوِّن عليها ما قاله والده... وقد غلبه النعاس وهو يكتب، ليغط في نوم عميق...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.