نعم، إنها هي.. بشحمها ولحمها.. إنها ماجي.. رحت أفرك عيني غير مصدق، وعلى الرغم من أضواء القمر الباهتة، فإن ملامحها كانت واضحة جدًّا.. لا يمكنني أن أخطئ ماجي.. إنها حب حياتي ولم تغرب عني لحظة واحدة على الرغم من سنين الغياب..
اقرأ أيضًا: عودة رفعت إسماعيل (ج9)
اقتربت منها أكثر.. كانت النسمات هادئة وباردة معًا، غير أن نبضات قلبي المتزايدة أمدتني بدفء لم أشعر معه بالبرد على الإطلاق.. اقتربت مني بدورها وهي تحملق في غير مصدقة أنني أمامها، وفي ذهول كررت:
- صفوت.. هل أنت حقًّا؟ كيف جئت إلى هنا؟
كنت أنتظر أن تفسر هي لي ما حدث، ولكن ذهولها منعني من التعليق.. ثمة أمر غريب يحدث، ولست أدري كيف نقلني المونتيكور إلى شاطئ بحيرة لوخ نس بهذه البساطة.. تشابكت أيدينا وهمست لها: "ماجي.. سأتجاوز جميع الأسئلة المحيرة الآن.. يكفي أنني رأيتك.. لا تندهشي، فلكل لقاء أوان ولا يدري أحدنا أين سيكون بعد لحظات".
كان لقاءً صعبًا ومثيرًا في آن واحد.. لم أتخيل ولو في أعتى الأحلام أن ينقلني المونتيكور - بدلًا من التهامي - مسافة تزيد عن خمسة آلاف كيلومتر في دقائق معدودة من منطقة جبال سيبيريا إلى غرب أوروبا حيث اسكتلندا ونباتاتها الخضراء الجميلة وزهورها الساحرة.. ولكني تركت جميع الأسئلة الآن وقررت أن أعيش هذه اللحظة..
- ماجي.. هل تبكين؟
- نعم.. كنت أتطلع للبحيرة وأتذكر تلك الأيام الخوالي.. لم أعد كما كنت يا صفوت، أليس كذلك؟
أخبرتها أنها لم تزل هي، بجمالها ورونقها وجاذبيتها التي ظلت -على الرغم من المسافة الزمنية الطويلة الفاصلة- تشدني إليها باستمرار.. وفي أعماقي كنت متيقِّنا أن ماجي هي ماجي، نفس الروح الخفيفة والقسمات الجميلة الرائعة.. شيء ما يتحرك في نفسي، وتمنيت أن أضمها إلي، لولا أنها نظرت فجأة إلى نقطة ما خلفي وصاحت:
- صفوت.. أعتقد أنني رأيت نيسي هناك، في قلب البحيرة..
في بهو القصر الخاص بوالدها -السير جيمس ماكيلوب- جلسنا.. كنا قد تغلبنا على ذهولنا وبدأنا نتعامل مع الأمر بواقعية، وكنا قد تجاوزنا مرحلة التحقق من عدم كونه حلمًا كالذي رأيته في أثناء غفوتي بين رفاقي.. كنت قد حكيت لماجي الأمر برمته، منذ وصلني خطاب لوديا حتى حملني الوحش الأسطوري من قاع النهر في أقصى شرق روسيا إلى حيث قلعة إيلكهارت في أقصى غرب أوروبا.. توصلت ماجي أخيرًا إلى أن المونتيكور ربما اتفق مع وحش لوخ نس على الظفر بي للانتقام..
- ولماذا ينتقم يا ماجي؟ إنني لم أنجح في الظفر به على أية حال، فضلًا على أنني لم أكن صاحب فكرة قتله، بل كان ذلك الوغد المسمى إوان على ما أذكر..
قالت وقد بدت بالكاد قد تغلبت على ذهولها:
- لست أدري.. ذلك هو التفسير الوحيد الذي قد أفهمه.. لقد مات إوان العام الماضي، ولم يبق غيرك، ولست أظن أن وحش لوخ نس يمتلك أجهزة تحقيق ليعرف من صاحب الفكرة ومن كان ضدها.. ثم إنه رآك تمسك بمسدس النار، ورآك تفك وجبته الدسمة من أسرها.. إن وحش لوخ نس يريدك لسبب ما، واتفق مع المونتيكور للظفر بك..
رحت أقلب كلامها يمنة ويسرة في عقلي، ما العلاقة بين المونتيكور ووحش لوخ نس؟ هذه أسطورة وهذه أسطورة، ولا أعتقد أن الوحشين كانا زملاء على تختة واحدة في المرحلة الابتدائية..
كانت على الأرجح قد قرأت أفكاري، فهمست بذكاء:
- لا تنسَ أن الأساطير تتشابك، وقد ينتمي وحوش الأساطير جميعًا لنفس العالم.. ولكن دعنا من هذا، لقد تغيرت كثيرًا.. ولكنك ما زلت تملك نفس القلب الهش..
أسرني كلامها، وفي داخلي كنت أدرك أنني فعلًا قد تغيرت كثيرًا.. لقد غيرتني السنين، ومرت بي الأعوام تلو الأعوام، ولكن شيء ما في قرارة نفسي يخبرني بأنني ما زلت ذلك الشاب الحالم الذي ظل يؤجل كل شيء للمستقبل الذي ظن دومًا أنه لم يزل مفروشًا بالورود أمامه.. نعم يا ماجي لقد كبرت وتغيرت الحياة من حولي، ولكن شيء ما في داخلي لم ينكسر ..
لم يخف عني نظرة الشوق الذي ظلت ترمقني بها، إذن مع كل هذه السنين لم تزل تذكرني، وأنا الذي كنت أثق دومًا في أن أحدًا لا يهمه أمري.. ما زالت ماجي لم تتغير على الرغم من علامات الشيب التي تسللت برفق لخصلات شعرها المتدلي على كتفيها.. لا تزال ماجي في نفسي لم تبرح مكانها..
تغلبت على خجلي ورحت أرمقها أنا الآخر، وهمت بقول شيء ما، ربما كنت أنتظره، غير أن والدها السير جيمس دلف إلى البهو فجأة حاملًا شيئًا ما وهو يهتف في حماس:
- رائع.. لقد نجحت أخيرًا في إعادة صنع البوق والقلادة.. سنستدعي وحش البحيرة اليوم..
(يتبع في الجزء الـ 11)
تبهرنى هذة الكلمات وابحر
معكم فى عالم الخيال
فى انتظار المذيد دمت بخير ❤🌹
شكرا للكلمات الرقيقة و دمت بكل خير ..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.