هل عشنا يومًا في عالم الغيب دون إرادة منا؟
قد يعيش بعض الأفراد من عالم الجان في بيتنا ونحن لا نعلم. الحقيقة التي لا تقبل الجدال أن هناك مخلوقات تعيش معنا على الأرض ونحن لا نراها بأعيننا المجردة ولكننا نشعر بها.
إن الغيبيات التي تكثر في عالمنا ونؤمن بها تمام اليقين هي نفسها التي يسميها العلماء الغربيون الماوراء أو الميتافيزيقا. والماورائيات تُعدُّ علمًا فلسفيًّا لأنه أحد فروعها، وهو يبحث عن جوهر الأشياء وطبيعتها، بل ويدرس صيرورة الوجود وأساسه.
الأحلام والرؤى تخبرنا، نحن بني البشر، أن هناك عوالم أخرى موجودة على الأرض وخارجها تعيش مثلنا، وربما أفضل وأرقى منا، ولكننا لا نراها أو لا نعلم عنها شيئًا.
البحث في العوالم الأخرى خارج الأرض ليس جنونًا، وليس في مجمله فلسفة فقط، بقدر ما هو استكشاف لأسرار كونية وكشف الغطاء عن نظريات علمية جديدة ربما تختفي وراء الحجب.
أصوات غريبة... أم هلاوس سمعية؟
يقول عنتر إنه استيقظ ذات يوم على صوت عالٍ يحدثه ويقول له: "استيقظ". ومن فرط إجهاده لم يلق له بالًا وأكمل النوم، ولكنه بعد خمس دقائق تقريبًا سمع صوتًا يهمس: "ش ش ش". وكأن إنسانًا يقول له: "اسكت"، كما هو متعارف بيننا عندما يحاول الكبار إسكات طفل فيقولون له: "ش ش"، أو عندما نحاول أن نتخلص من الذباب فنقول: "ش ش".
قال: ربما يكون جارًا لنا صوته عالٍ، أو تكون الشقة الخالية أمامه قد تم استئجارها لأحد الأشخاص، وهو الذي أصدر تلك الأصوات. وبفعلًا ذهب إلى مالك العقار ليسأله عن الصوت، وصُدم حين أخبره بأن الشقة أمامه خالية تمامًا، وكذلك الطابق أسفل منه خالٍ من السكان. أما الطابق الأرضي فهو الوحيد الذي تسكنه السيدة أم كريمة مع ابنتها كريمة، وهي سيدة مسنَّة لا تستطيع الحركة وصوتها منخفض جدًّا، وكريمة تعمل طوال اليوم ولا تأتي إلا في ساعة متأخرة من الليل.
لقد مرَّ اليوم على ما يرام ولم يحدث شيء آخر يثير انتباهه. ولهذا ذهب عنتر إلى العمل كما هو المعتاد في هذا الوقت من الصباح وأدى عمله ككل يوم ليعود مرة أخرى إلى المنزل حوالي الساعة السادسة مساءً.
دخل عنتر لكي يخلد إلى النوم بعض الوقت وقد غلب عليه النعاس تمامًا، ولكن في تلك المرة رأى رجلًا قصير القامة صغيرًا يرتدي زيًا أبيض يوقظه ويقول له: "مساء الخير". ظنَّ عنتر أنه يحلم، ولكنه وجد عينيه مفتوحتين ورأى حوله جدران الغرفة والدولاب الخاص به والمكتب. فانتفض من مكانه بسرعة ليحدث الرجل الصغير، لكنه اختفى مرة أخرى.
يحكي عنتر أنه ذهب لأحد الجيران في العمارة المقابلة له ليسأله عن ذلك. فقال له الجار: "لا تقلق، لأن تلك الشقة يعيش فيها أسرة من الجن الطيب، وهو لا يؤذي أحدًا". تعجَّب عنتر من حديث جاره عن الجن، وظن أنه ربما يكون محبًّا للحكايات والخرافات. وأصرَّ على أن يذهب إلى طبيب نفسي.
زار عنتر العيادة النفسية لاستشارة الطبيب المختص بأنه ربما يعاني هلاوس سمعية وبصرية. وقد وجه الدكتور له عدة أسئلة، فأجاب عليها بدقة شديدة. وقد أظهر الفحص أن عنتر لا يعاني أي أمراض نفسية.
رحل عنتر من العيادة إلى المنزل، وظل في الطريق يحدث نفسه عن أسباب ما يحدث له في المنزل الجديد الذي استأجره. وهل المسألة تحتاج منه إلى اهتمام أم أنها مجرد لحظة عابرة حدث فيها ذلك الموقف ولن يتكرر مرة أخرى؟ في النهاية، قرَّر عنتر أن المسألة لا تستحق كل ذلك، حتى لو كان هناك أسرة من الجن تعيش في منزله، فما الضرر؟
سيدة عجوز...
مرَّت ثلاث ليالٍ متتالية، والأحوال مستقرة تمامًا في المنزل الجديد، لكن في اليوم الرابع حدث شيء غريب في أثناء نوم القيلولة. حيث يقول عنتر: رأيت سيدة عجوز تجلس على طرف السرير وسمعتها تهمس لي ببعض الكلمات، ولم أتحقق من وجهها في البداية لأنني كنت لا أزال بين اليقظة والنوم. ولكن بعد أن دققت في وجهها عرفت أنها جدتي الحبيبة. ولكني لم أركز في كلماتها جيدًا، ولكن فهمت فقط أنها تريدني أن أساعد شخصًا ما.
ماذا أفعل إذن؟ كيف يمكن الوصول إلى هذا الشخص؟ وهل ستأتي جدتي مرة أخرى لكي توضح لي اسمه؟ وإذا لم تأتِ جدتي، من يمكنه أن يدلني على ذلك الشخص؟
ظل عنتر يفكر في كل ما حدث وهو مذهول، لأنه شعر كأنه سافر إلى عالم آخر ثم عاد. فقد أحس بسمة فاصلة حقيقية بين جدته وبينه، ولكنه حاجز رقيق. فتذكر ما يرويه الأصدقاء عن حياة البرزخ، وأنها حياة أخرى ينتقل إليها الإنسان بعد موته.
طفل يأخذني...
مرَّ أسبوع كامل على زيارة جدة عنتر لمنزله، وهو منهمك في العمل. ولكن في اليوم الثامن، وهو يعد لنفسه طعام الغداء، سمع كأن طفلًا صغيرًا يطرق الباب بقوة وهو يصيح: "أغثني يا عم... ساعدوني... ساعدوني!"
قام مسرعًا ليفتح الباب، فوجد طفلًا بريئًا شديد الجمال. وبمجرد أن فتح الباب، شد الطفل يده وأخذه إلى الأسفل. ووجد عنتر نفسه في شقة جارتهم المسنة، والطفل يصيح وينادي: "يا جدتي... يا جدتي!"
كانت السيدة تبدو عليها علامات الخوف والصدمة. أخذ عنتر يهدئ من روعها، فأشارت بيدها إلى كوب الماء، فناولها إياه بسرعة لتشرب. مرَّت هُنيهة من الوقت، ثم تحدثت بالإشارة، ففهم أنها سيدة صماء، وأن ثمة خطبًا ما قد ألمَّ بها. ربما تعاني نوبات مرضية مجهولة. ابتسم عنتر لها قائلًا: "ألف سلامة... الحمد لله أنكِ بخير." فهزت رأسها شاكرة له.
قال له الطفل الصغير: "شكرًا يا عمو."
سأله عنتر: "قل لي، ما اسمك؟"
فقال الطفل: "اسمي عيسى."
رد عنتر: "عاشت الأسامي، حبيبي."
استأذن عنتر الطفل ليصعد إلى منزله كي يخلد للنوم. فقال الطفل: "الآن يمكنك أن تتركنا، ولكن بشرط أن تعدني بأن تأتي لنا غدًا." فوعده عنتر بما يريد، ثم صعد إلى المنزل.
دخل عنتر إلى منزله ليتناول العشاء، لكنه ظل يفكر في أمر السيدة العجوز وحفيدها، وما المرض الذي تعاني منه، ولماذا لم يرَ ابنتها مع أن الساعة تشير إلى الحادية عشرة مساءً؟ إلا إذا كانت موجودة في غرفة بالداخل ولم يرها.
"يااه، يا جدتي، لقد نبهتِني إلى ضرورة مساعدة شخص ما، وها هو جاري الطفل الصغير يطلب مساعدتي... سبحان الله."
دمتي بخير وسعادة ودمتي متألقة بكتاباتك عزيزتي الغالية عزة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.