في صباح اليوم التالي، كان الجميع على موعد مع أحداث جديدة في خان الخليلي، إذ تأكد لعنتر ما ذكره عيسى عن ضرورة إنقاذ منزل الأجداد من عبث الجاهلين، فقد شاهد المهندسين وبعض المفتشين الأثريين يصورون المنزل وما حوله، ووضعوا العلامات التي تُشير إلى الاستعداد لإزالة العقار وما حوله.
توجَّه عنتر إليهم ليسأل عن أسباب ذلك، فأعلموه بأن هذا الإجراء بناءً على تعليمات إدارة الحي والآثار، التي ترى أنه لا ضير من إنشاء معبر يمر في تلك المنطقة، فأثار ذلك حفيظة عنتر واستشاط غضبًا، وطلب منهم مهلة لإحضار أوراق ملكيته وإثبات إدراج المنزل في سجلات الآثار، حيث جرى بناؤه منذ أكثر من مائة عام.
توالت جولات عنتر في خان الخليلي لفحص العقارات والبنايات الأثرية المسجلة ومقابلة المسؤولين، ولاحقًا أعدَّ شكوى موثقة لهيئة اليونسكو للاطلاع على الحدث.
وبعد انتهاء يوم ثقيل عاود عنتر أدراجه إلى مهمته الأصلية بجانب عيسى ونجوى للذهاب إلى قسم الشرطة لاستكمال التحقيقات مع العميد عمر..
في ديوان القسم، استمرت التحقيقات، وسردت نجوى الأحداث التي ورطت شقيقتها مع مافيا تجارة الأجنة والجينات الوراثية، وتحدثت أيضًا عن علاقة عنتر بهذه الكارثة، وكيف يمكنه إنقاذها من الروح الشريرة التي تسكن منزلها.
قالت نجوى: "بداية، سيادة العميد، يجب أن أعلمك أنني تعرفت على مستر عنتر منذ حوالي خمس سنوات. في البداية، لم أكن أعلم أنه نفس الشخص الذي تحدثت جدته عنه منذ زمن بعيد مع والدتي. ولكن بعد مرور شهرين، وقعت بطاقته الشخصية بين يدي دون قصد، إذ وجدتها في غرفة المستشفى التي كنت أعالج فيها في لندن، حينها عرفت اسمه وعنوانه المسجل بالقاهرة في شارع خان الخليلي، حيث تسكن جدته."
وتابعت: "لقد زرتها بالفعل بعد عودتي من لندن، وكانت لا تزال على قيد الحياة، عرَّفتها بنفسي وتحدثت معها عن الذكريات القديمة وعن مستر عنتر وكيف تعرفت عليه في لندن، أخبرتني أنه استقل في منزل جديد، لكنها لم تكن تعرف عنوانه، مع ذلك أعطتنا رقم هاتف صديق له دلنا على عنوان عمله، الذي كان قريبًا من الشركة التي كانت تعمل بها شقيقتي رحمها الله، لكننا لم نجده في البداية، فعرفنا أنه في مهمة بشرم الشيخ."
العميد عمر: "تمام، أستاذة نجوى."
عنتر: "كل هذه الأحداث وقعت دون أن أعلم!"
نجوى: "هذا هو القدر، مستر عنتر."
العميد عمر: "من فضلك، أستاذة نجوى، استكملي روايتك."
نجوى: "تحدثت مع جدة مستر عنتر عن معاناتي مع الروح الشريرة التي استدعتها شقيقتي وزوجها، علمنا سابقًا أن جد عنتر كان معالجًا روحانيًّا ورجلًا صالحًا، وكنت أعتقد أن جدة عنتر يمكنها مساعدتي من خلال الكتب والأوراق التي كانت تحتفظ بها، لكنها أخبرتني أن كتاب الأسرار هذا لا يمكن استخدامه إلا بواسطة رجل من نسل العائلة، يمتلك صفات الجد في الشجاعة والقوة الروحية، مع انعدام الخوف والقدرة على مواجهة القوى الخفية، ولكنها من جهة أخرى أعطتنا الكرة البلورية، وذكرتني بقصتي معها وأنا صغيرة."
وأردفت: "قالت إنها تشعر بدنو الأجل، لذا قررت أن تسلمنا الكرة البلورية حتى تصل إلى حفيدها، ولهذا لم يكن أمامنا إلا أمل وحيد هو الوصول إلى مستر عنتر، ولم يعد مستر عنتر إلى القاهرة إلا بعد ستة أشهر لحضور جنازة جدته، وعندما عاد اكتشفنا أنه استأجر شقة جديدة في نفس العقار الذي نسكن فيه."
عنتر: "يا للقدر!"
العميد عمر: "الكرة البلورية وكتاب الأسرار... هذا يذكرنا بالأساطير والروايات القديمة. ألا ترين أن حديثك يبدو أشبه بالخيال؟"
نجوى: "صدقني، سيادة العميد، أنا مستعدة لإثبات كل أقوالي بالأدلة والوثائق."
العميد عمر: "لماذا لم تخبروا عنتر بكل هذه الروايات عندما اكتشفتم أنه جاركم في نفس العقار؟"
نجوى: "لقد ذهبت إليه شقيقتي في بداية الأمر في عمله أثناء إقامتي في مستشفى الأيادي الذهبية، وقد استطاعت شقيقتي أن توصل رسالتي إليه، وقد استجاب لنا وجاء لتأدية دوره بصفته طبيبًا نفسيًّا، ولكنه كان لا يزال يرفض حديثنا عن المسائل الخارقة للطبيعة ولا يعتقد بوجودها، ولكننا أثبتنا له في الأيام السابقة أننا على حق، وعرف بنفسه أنني مصابة بأذى شديد جراء وقوعي في دائرة لعبة خبيثة تسمى تحضير الأرواح، فقد جاءني شبح الراهبة مرة أخرى أثناء وجودي بمستشفى الأيادي الذهبية، وقد كان المشهد رهيبًا، وقد شعرت بأن الأرض تزلزل تحت قدمي وسمعت يدًا تجذب يدي وتحاول طعنها، ثم انقطعت الكهرباء".
وتابعت قائلة: "وبعد ذلك سقطت مغشيًا عليَّ، ولم أشعر بأي شيء إلا بعد أن استيقظت في صباح اليوم التالي، وقد وجدت على معصم يدي اليسرى ضمادة ملفوفة، وعرفت أن يدي نزفت دمًا كثيرًا، وهو ما أفقدني الوعي، وقد عرفت من شقيقتي - رحمها الله - وعيسى أن فريد الجبالي عرف أنني مقيمة داخل المستشفى لأنه يعرف أحدهم داخلها".
عنتر: "هذه حقيقة يا نجوى، وأعتذر سيادة العميد عن المقاطعة، لكنني عندما ذهبت لزيارة نجوى محاولاً إنقاذها وإخراجها من المشفى، رأيت دكتور نائل الحموي وهو يتحدث مع المجرم فريد الجبالي. وما عرفته أن نائل الحموي ليس مجرد طبيب مشرف على حالة نجوى، ولكنه مالك لهذا الصرح الكبير، وهذا يؤكد أنه يمتلك أموالًا كثيرة ومن الممكن أن يكون له علاقة بأعمال مشبوهة، وبالتأكيد هو الخيط المفقود في الحادثة التي كان من الممكن أن تودي بحياة نجوى لولا إرادة الله ورحمته التي شاءت دون وقوعها".
نجوى: "يا الله.. دكتور نائل".
العميد عمر: "الآن يجب استدعاء دكتور نائل الحموي فورًا للتحقيق معه ومواجهته مع فريد الجبالي".
عنتر: "أرجو سيادة العميد استدعاءه بأقصى سرعة قبل أن يكتشف غياب فريد الجبالي ومعرفته بجريمته التي أدت إلى القبض عليه متلبسًا".
العميد عمر: "مستر عنتر.. نحن نعرف ماذا نفعل؟ وما الوقت المناسب للفعل الذي نقوم به؟"
عنتر: "شكرًا سيادة العميد، ولكن أردت فقط التحذير".
العميد عمر: "أعرف مستر عنتر"
كارم ... كارم ... أرجو استدعاء رئيس مجلس إدارة مستشفى الأيادي الذهبية المدعو – د. نائل الحموي.
الأمين كارم: "تمام يا فندم".
تتوالى الأحداث لتتكشف رويدًا رويدًا خيوط القضية، حيث يُستدعى الطبيب نائل الحموي إلى ديوان القسم ليصرِّح بمعلوماته حول فريد الجبالي، ليظهر أن هذا الطبيب متورط رئيسي في القضية، فقد أشارت التحقيقات الطويلة معه إلى أنه يستخدم مشفاه الخاص في استدراج الأمهات الحالمات بالأمومة لبيع الوهم لهن مقابل ملايين الدولارات التي يحصل عليها من فريد الجبالي ومساعدته ديما.
وبسؤاله عن ديما، التي أكدت نجوى تورطها في تحضير الأرواح، قال د. نائل: "أنا كنت أعرف ديما منذ حوالي خمس سنوات، وهي سيدة تدمن المخدرات وفي حاجة دائمة للمال، وقد كان لها خبرة كبيرة في تدريب الممرضة راقية في المشفى على تحضير الجن من خلال الإنترنت، لأن ديما جنيور مقيمة في الولايات المتحدة على نحو دائم ولا تأتي لمصر، وقد استطاعت الممرضة راقية استدعاء أحد أنواع الجن الشرير الذي استطاع تقليد صوت والد نجوى، حتى تُثير في نفسها الطمأنينة عندما كانت الجلسة الأولى في المنزل.
وتابع د. نائل قائلًا: "وقد استطاعت خداعها في بداية الأمر، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، إذ أصيبت الممرضة نفسها ونجوى بلعنة الجن الشرير، الذي تمثل لهما في هيئة راهبة تطاردهما كظلِّهما. وحسب أقوال الممرضة، فإن الراهبة تظهر لها كل ثلاثة أيام بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا وتسير وراءها في منزلها وتلقي على الجدران قطرات دماء، والأدهى من ذلك أنها تهددها بالقتل.
وعندما عرفنا بأن نجوى تتحدث مع دكتور عنتر لتنقل له بعض الحقائق شعرنا بالخطر، وأردنا أنا وفريد أن نجعلها في عداد المجانين لإصدار تقرير بذلك حتى لا تنصب لنا فخًا للإيقاع بنا. وقد طلبنا بالفعل من الممرضة أن تساعدنا في إرعابها وقهرها، ولكنها رفضت بشدة لإصابتها بلعنة الجن الشرير الذي أصبح لا يفارقها، حيث تحولت حياتها لجحيم بحسب ادعائها. ولهذا كان يجب أن نجد طريقة لإجبارها على استكمال الطريق معنا، وقد كان الحل في يد دكتور فريد، الذي قام بحقنها بدواء جديد يسمى: (The Obedience Drug - عقار الطاعة)"
ثم أردف قائلًا: "يتم تجريب هذا الدواء الآن على الحيوانات وعدد محدود من الأشخاص الذين يوافقون على التجارب السريرية، وقد استدرجت بهذه الطريقة، إذ أوهمها فريد بأنه يريد تجريب أحد الأدوية المهمة عليها مقابل ثلاثين ألف جنيه. وقد استجابت راقية وتم حقنها بالعقار لتصبح شبه مخدّرة تمامًا، وأمرها فريد بعدة مهام قبل أن تطبق ما أردناه منها ضد نجوى، ليؤتي الدواء أكله ويحقق نجاحًا باستجابتها العمياء لأوامر فريد، فقد قطعنا الكهرباء، ثم طعنت الممرضة يد نجوى بعد تخويفها من خلال لعنة الجن الشرير بأن ترتدي ملابس راهبة وتسير مثلما يحدث معها، حتى تبث الرعب في قلب نجوى".
وتابع حديثه: "وفعلًا ارتعشت نجوى وأصيبت بجرح تسبب في فقدانها الوعي، لكننا وجدنا أن العقبات لا تزال تحيط بنا، إذ كانت نجوى لا تزال تتحدث عن كل التفاصيل وتحذر شقيقتها كريمة، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على أعمالنا، ما دفعنا للتفكير باغتيالها، ولكن القدر كان حائلًا بيننا وبين القيام بذلك؛ لأن جرس الطوارئ كان ينذر بسمة حدوث أمر، وهو ما دفعنا إلى تأجيل خطتنا.
أما مسألة قتل كريمة، فإني أقسم لك أنني لا أعرف عنها شيئًا ولم يحدثني فريد عن نواياه تجاه زوجته".
العميد عمر: "كارم... خذ المتهم وألقه في الحجز للعرض غدًا على النيابة العامة، ولاتخاذ كافة الإجراءات القانونية معه، وأرجو منك استدعاء الممرضة راقية بمستشفى الأيادي الذهبية".
كارم: "تمام يا فندم".
استدعيت الممرضة راقية التي لم تكن نجوى تتذكرها جيدًا؛ لأنها لم ترها إلا في الجلسة الأولى لتحضير الأرواح، لكنها شعرت بأنها ليست غريبة عنها، وقد اعترفت بتحضيرها الأرواح وتعلمها الكثير من مسز ديما، بحسب تعبيرها، حيث قالت باكية: "الست نجوى طيبة وبنت حلال، وكنت أقابل فرحة زميلتي في التمريض وكانت تمدح بها وبأخلاقها، ولكن الطمع الذي غلبني والأموال أغوتني. أنا لم أقصد تحضير روح شريرة ولم أكن أعرف أنها لعنة ستصيبنا جميعًا... أقسم لكم أنني لم أعد أرى النوم من الخوف. سامحوني... أنا عندي خمسة أولاد... أرجوكم، من سيربيهم؟"
العميد عمر: "هل تعرفين يا راقية أنك طعنت نجوى دون أن تشعري بذلك؟"
الممرضة راقية: "لا أفهم شيئًا يا بيه... ماذا تقصد سيادتك؟"
العميد عمر: "أنتِ محظوظة يا راقية، وعليكِ أن تحمدي الله عز وجل؛ لأنه أنقذكِ من ارتكاب جريمة نكراء كان من الممكن أن تودي بكِ إلى السجن المؤبد، ولكن عليك أن تتعلمي وتنتبهي لأن الجهل أوقعك فريسة لأعضاء مافيا تجارة الأجنة وربما الأعضاء البشرية، لقد تم حقنك بعقار شديد الخطورة من قبل فريد الجبالي عمل على تخديرك مؤقتًا من أجل تسخيرك لتنفيذ جريمة طعن نجوى".
الممرضة راقية: "د. فريد قال لي إن هذا دواء جديد يريد تجريبه وقد أعطاني مكافأة 30 ألف جنيه... ولا أعرف أنه شيطان يريد الإيقاع بي... حسبنا الله ونعم الوكيل".
العميد عمر: "بهذه السهولة تبيعين حياتك من أجل ثلاثين ألفًا؟ ماذا لو كان هذا سُمًّا مميتًا؟"
الممرضة راقية (باكية): "يا بيه، أنا عندي خمس أولاد وأحتاج للمال".
العميد عمر: "يمكنك الآن الانصراف بعد التوقيع على تعهد بعدم التعرض للمرضى مع موافاتنا بكل ما تعرفينه من معلومات عن الأطباء العاملين بالمستشفى وتخصصاتهم، ومن تلك اللحظة سنعدك مرشدة للشرطة ترسلين المعلومات ونحن نعطيك المكافأة المالية بحسب المعلومات".
الممرضة راقية: "تحت أمرك يا بيه... أنا خدامتك".
تتوالى الأحداث بسرعة لتقترب النهايات، حيث تحاول راقية بكل السبل البحث في الملفات التعريفية للأطباء والعاملين بالمستشفى للكشف عن كافة أفراد العصابة المتورطين مع فريد الجبالي في تجارة الأجنة، وقد أثبتت التحريات والمراقبة أن الأطباء والموظفين العاملين لا يدرون شيئًا مما يحدث بالمشفى من قبل مالكها ورئيس مجلس إدارتها د. نائل الحموي.
وبناءً على ما سبق، وعلى ما أوصت به اللجنة المنتدبة من قبل وزارة الصحة، تم غلق مستشفى الأيادي الذهبية، ومصادرة كافة الأجهزة والأدوات، وقد حكمت المحكمة بالسجن المؤبد على د. نائل الحموي ومصادرة أملاكه مع شطبه نهائيًّا من قبل نقابة الأطباء، وحُكِم بالإعدام شنقًا على د. فريد الجبالي.
فيما بعد، تبقى لعنتر الجولة الأخيرة، إذ كان لزامًا عليه استكمال الطريق مع عيسى ونجوى لإنقاذها نهائيًّا من الأرواح الشريرة، وقد نجحت أول خطواته في إزالة كل العقبات واستجابت هيئة اليونسكو التي أرسلت مفتشي الآثار والمهندسين للاطلاع على العقار بشارع خان الخليلي، وقد أصدرت الهيئة توصيتها بوقف أعمال الهدم، فاستجابت لجنة الآثار التي أمرت بدورها العمال المشرفين والمهندسين المسؤولين بإيقاف الهدم.
في صباح اليوم التالي، ذهب عنتر إلى منزل نجوى التي كانت لا تزال تعاني حزنًا شديدًا على شقيقتها بجانب ما تعانيه من أحلام مفزعة وجن شرير يطاردها. وكذلك كان عيسى حزينًا تائهًا.
عنتر: "صباح الخير يا عيسى.. كيف حالك اليوم أيها البطل الصغير؟"
عيسى: "أنا بخير يا عمو، ولكني أشتاق لأمي.. فهل نذهب لنحضر الأرواح مرة أخرى حتى أستطيع الحديث مع أمي، أم أسمع كلام قنديل الذي يوصيني بقراءة القرآن؟"
عنتر: "تاني يا عيسى.. تحضير أرواح؟ ألا ترى ما حدث لنا جميعًا؟ استمع إلى كلام قنديل.. إن قنديل يحفزك على الإيمان بالله والاستعانة به وحده".
عيسى (باكيًا): "أعرف يا عمو.. لكنها أمي.. وأنا أشتاق إليها.. يا عمو، لماذا يموت من نحبهم؟"
عنتر: "أتعرف يا عيسى أنهم لا يموتون؟ إنهم ينتقلون إلى عالم آخر، عالم أكبر وأوسع.. عالم أكثر جمالًا وصدقًا، وسيأتي يوم ونذهب إليهم.. لأننا خالدون. لقد خلق الله الإنسان للخلود وليس للفناء، ولكن فقط عندما ينتقل للعالم الثاني يفقد جسده، وتسمو روحه وتعيش في هذا العالم".
عيسى: "أنا أصدقك عمو عنتر.. وأنا مؤمن بالله الواحد الأحد".
عنتر: "إذن، هيا بنا إلى شارع خان الخليلي حتى نحضر كتاب الأسرار لنساعد نجوى ونسعد قنديل".
نجوى: "هل تظن، مستر عنتر، أنني سأنجو من الأرواح الشريرة؟"
عنتر: "نعم، أنا على يقين من نجاتك.. لكن البداية لن تكون في كتاب، بل من داخلك. البداية من إيمانك بالله العليم الحكيم".
نجوى: "ونعم بالله العلي العظيم".
ودَّعت نجوى والدتها وسألتها الدعاء لهم، وتوجَّه عنتر ونجوى وعيسى إلى شارع خان الخليلي ليصعد عنتر على السلالم الأثرية القديمة ويفتح باب منزلهم الكبير، ليدخل إلى الساحة الوسطى متجهًا إلى اليمين، حيث يهبط أربعة أدراج إلى الصندرة أسفل الحجرات، فيسقط عليه تراب كثيف يصنع غيامة أمامهم، فيصيح عيسى مشيرًا بيده إلى مكتبة صغيرة في يسار الصندرة يظهر بها صندوق ذهبي ضخم، فيتجه عنتر نحو الصندوق ليفتحه، حيث يجد داخله كتابًا كبيرًا مكتوبًا على غلافه (الأسرار) بخط كوفي كبير، فيفتحه ليجد في مقدمته:
(قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
الروح لا يملكها إلا الله، ولا يعالجها إلا الله، وعلاج الروح هو الإيمان بالله، هو العليم، علام الغيوب، جل جلاله.
لقد كان الكتاب يحوي أسماء الله الحسنى وآيات من القرآن وأدعية وابتهالات لله عز وجل، فقد أوصى الكتاب في النهاية لمن يعانون الأذى الروحاني بقراءة سورة البقرة لمدة سبعة أيام بتمعن ويقين بالشفاء. صعد الثلاثة إلى أعلى، وأخذ عيسى يمسح على الكرة البلورية رويدًا رويدًا ليظهر قنديل مرحبًا بعنتر ونجوى، مذكرًا إياهم بأن الشفاء بيد الله، فإن الله وحده هو الذي يُسخر الجن، وكلمات الله في القرآن الكريم هي الشافية، وليس العكس، والدليل كان عند النبي سليمان -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- عندما سخر الله له الجن والشياطين يعملون تحت يديه بإذن الله.
قال تعالى: (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير)
سورة سبأ - الآية 12
عنتر: "صدقت يا قنديل.. يا عبد الله.. القرآن فيه شفاء للروح والجسد".
نجوى: "سبحان الله العلي العظيم".
قنديل: "لتقرئي يا نجوى سورة البقرة كل يوم لمدة سبعة أيام".
عيسى: "هيا يا خالتي لنفتح المصحف الآن ولنقرأ معًا سورة البقرة".
عنتر: "هل تعلمين يا نجوى أن والدي -رحمه الله- كان يقرأ سورة البقرة كل يوم، وليس فقط لمدة سبعة أيام؟ لأنه من الممكن تقسيمها لتسهيل قراءتها.. لتبدأي من الآن ولتستعيني بالله".
نجوى: "هيا نقرأ سورة البقرة".
جلس عيسى ونجوى على أريكة صغيرة يقرآن سورة البقرة ويلقنان بعضهما البعض، كأنهما يجلسان في ساحة الكُتَّاب لحفظ آيات الذكر الحكيم، وقد مرَّ الوقت بهما دون أن يشعرا، ولم تلبث الشمس أن تعلن الرحيل. وفجأة، يكسر صوت قنديل الجهوري الصمت ليعلن رحيله هو الآخر، ويذكرهم عنتر بضرورة العودة إلى المنزل لأن والدة نجوى وحدها وتحتاج إلى دعمهم.
يتجه عنتر ونجوى وعيسى إلى باب الخروج، مترجلين السيارة ليعودوا إلى المنزل، ويصعد عنتر إلى منزله بعد الاطمئنان عليهم، حيث غرق كل من نجوى وعيسى في نوم عميق، وكأنهم لم يناموا من قبل. وتنام الجدة فاطمة الطيبة.. وكذلك لم يتمالك عنتر نفسه فغط في النوم هو الآخر.
في صباح اليوم التالي، استيقظت نجوى لتشعر بأنها أصبحت أكثر اطمئنانًا، فقد نامت عددًا كبيرًا من الساعات، ولم تستيقظ ليلًا على شبح ولم تطاردها الأحلام المفزعة كما كان الحال فيما قبل. أما عيسى، فقد كان أفضل حالًا وأكثر إشراقًا، ووقف عنتر في شرفة المنزل ينادي على عيسى، وقد اتفق الجميع على الذهاب إلى منزل خان الخليلي بصحبة الجدة الطيبة لاستكمال إقامتهم في المكان الذي لطالما عشقوه.
وتمر الأحداث سريعًا ليتزوج عنتر ونجوى، ويحتضنان عيسى كابنٍ لهما، ويعتنيان به وبالجدة فاطمة.
يمكن متابعة الكاتب وقراءة الأجزاء السابقة من هنا
كتاب رائع جدا .. والقصة فيها احداث أشبه بالواقع ... مبدعة يا عزة
أنت الي رائعة حبيبتي شهد ، شكرا جدا لمرورك الكريم الطيب وسعيدة ان القصة عجبتك
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.