قصة "عندما تتحدث الأبواب".. قصص قصيرة

كان "حسن" رجلًا يبحث عن شيءٍ لا يستطيع فهمه. تزدحم حياته بمساراتٍ متقاطعة وأصواتٍ مشوشة، لكنه في كل ليلة، عندما تغفو المدينة وتخفت الأضواء، يجد نفسه يهرب من ضوضاء أفكاره، متجهًا إلى شوارع لم يعرفها من قبل.

كان في تلك الشوارع القديمة سرٌ لا يستطيع مقاومته، كأنها تحمل همسات من ماضٍ مجهول، تنتظر من يفك شفراتها.

في تلك الليلة الباردة، أخذ "حسن" يمشي ببطء، تطأ قدماه الأرض بحذر، عابرًا زقاقًا ضيقًا يغشاه الهدوء والغموض. توقف أمام بابٍ خشبيٍ قديم، مهترئ الحواف ومغطى بالغبار، وكأنه قد نُسي منذ زمن. لم يكن ذلك الباب مختلفًا عن الأبواب التي مرَّ بها من قبل، لكنه شعر بأن هناك شيئًا خاصًّا فيه. ربما كان في تفاصيله المهترئة أو صريره القديم الذي يحكي حكاية ضائعة بين زوايا الجدران.

أحس "حسن" بلمسةٍ من الدفء في قلبه، كأن هذا الباب يرغب في أن يخبره بشيء. مدَّ يده ببطء ليلامس الخشب البارد، وعندما لمسه، كأن ذكريات قديمة اندفعت نحوه، تداعب ذاكرته، تجبره على مواجهة ماضيه. تذكر الطفل الذي كانه، والأحلام البسيطة التي كان يسعى لتحقيقها، وذاك الشغف الذي أضاء بداخله يومًا ليضيع لاحقًا في زحمة الحياة.

في تلك اللحظة، أحسَّ أن هذا الباب لم يكن مجرد مدخلٍ إلى مكان؛ بل كان بوابةً إلى ذاته المفقودة. جلس "حسن" أمام الباب، وراح يستمع إلى الصمت المحيط به، كأنه يترقب صوتًا ينبعث من الداخل. وفي هذا السكون، بدأت ملامح ذكرياته تعود إليه ببطء، ليكتشف أن هذا الباب، في حقيقته، يظهر ما في داخله، ما بين مشاعر الندم، والآمال التي خذلها، والأحلام التي لم تكتمل.

وبينما كان يتأمل الباب، شعر حسن بأن المكان من حوله يتحول، وكأن الحائط بدأ يتلاشى، ليحمله إلى ذكريات وأماكن كان قد نسيها منذ زمن. تذكر صديقًا قديمًا، وامرأة أحبها لكنه لم يستطع البقاء معها، وأحلامًا غريبة آمن بها يومًا وتركها. تذكر تلك الأيام التي كانت تملؤها بساطة العيش، ونظرة الطفل الطموح الذي يحدق في أفقٍ واسع لا يعرف نهايةً له.

عندما فتح عينيه، أدرك أن هذا الباب لم يتغير، لكنه لم يعد هو الشخص الذي أتى ووقف أمامه. كأن الدقائق التي قضاها هنا قد عادت به إلى زمنٍ آخر، وأيقظت مشاعر دفينة في داخله، أراد الهروب منها، لكن الباب كشفها جميعًا أمامه.

أدرك حسن في تلك اللحظة أن الأبواب ليست مجرد حواجز تفصل بين الداخل والخارج، بل هي رموزٌ تقودنا إلى عوالم خفية في أنفسنا، إلى قصصٍ لم تروَ، وذكرياتٍ دفنت تحت أعباء الزمن. وتعلَّم أن الأبواب المغلقة ليست بحاجة دائمًا إلى أن تُفتح؛ يكفي أن نسمح لأنفسنا بأن نصغي لصمتها، وأن نكتشف ما تخفيه في داخلنا من أسرار.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة