قد يضحك بعض الأشخاص، وقد يسخر آخرون، لكن هذا ما حدث فعلًا عندما مات.
كان يوجد طبيب مشهور يعمل جاهدًا ليل نهار في علاج المرضى، وشغله الشاغل هو الشفاء، وقد كسب صيتًا كبيرًا وسمعة في المنطقة التي فيها عيادته، حتى قد اكتسبت المنطقة شهرة بسبب زوار عيادته الذين يجلسون على الأرض للحصول على موعد قريب قبل غيرهم، ومنهم من كان يبيت أمام باب العيادة.
أي مجد هذا لهذا العالم القدير الذي يفرح فرحًا عامرًا لقهره الأوجاع وتحديه لكل علة حتى صار اسمه علامة فارقة في شفاء المرضى، حتى كان الحسد يأكل قلوب المرضى الذين لم يصبهم الدور في موعد قريب.
الطبيب غلبت شهرته الآفاق سواء في الوسط المحلي أو الدولي، لبراعته التي أكدت أنه لا يباريه طبيب آخر في تخصصه.
هنا تظلم الدنيا في عيون هذا الطبيب بعد أن ضربه داء السرطان وسط دهشة من حوله، كيف يمرض فلتة زمانه في الطب؟ هل ما جرى هنا حق أم مجرد شائعة هدفها إطفاء نور هذا المصباح الذي خفف أوجاع آلاف المرضى؟
هم لا يدرون أن هذا الطبيب صرفته هموم النجاح والشهرة عن الاهتمام بنفسه، فقد كان يسهر الليل في العيادة، لأنه لا يقدر على النوم وهو يرى مريضًا يعاني فهذا يعني تقصيرًا منه.
سرقته سكينة حب مهنته وعشقه وإدمانه إتمام رسالته، ناسيًا أن للبدن حقًا على صاحبه وعليه أن يعترف بهذا، لم يسمع لنصيحة كثيرين وكان يضرب بها عرض الحائط.
كان دائمًا يردد لقد خلقني الله تعالى لحمل رسالة وهي تخفيف الآلام حتى لو على حساب نفسي، أنا لا يشغلني المال لكن يشغلني النجاح فقط، والمهارة في إنقاذ مريض من براثن الموت تساوي عندي كثيرًا.
غلبته الشهرة والمشاركة في المؤتمرات العلمية سواء المحلية أو الدولية وغير ذلك مما يشغل الإنسان عن يعيش حياة هادئة، فهو كان مثل الملحن الذي يعيش وسط الآلات الموسيقية شاغله نجاح لحن بذل له كثيرًا.
صديقنا الطبيب المقاتل كما يحلو له أن يطلق على نفسه، سرقته المهنة من الراحة، فقد كان يستيقظ في منتصف الليل أو قرب الفجر إذا طرق باب بيته مريض أو رن هاتفه للمشاركة في إنقاذ مريض، والمرض داخله ينخر في أجزاء جسمه، ولكنه يهمل فيه معتقدًا أن قرصًا من أقراص المسكنات سوف يطفئ نيران الألم في جسده الهزيل، وهكذا كانت تمضي حياته وهو يبكي ليلًا من الألم دون أن يشعر به أحد.
كان يسعد جدًّا إذا أخرج مريضًا من حقل ألغام المرض، أما هو فلديه إرادة الانتصار على المرض حتى عجز عن المقاومة ومع ذلك لم يستسلم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.