هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل أغسطس 16, 2023, 1:47 م

قصة "عمك التعيس".. قصص قصيرة

عمك التعيس.

في زمان قد اشتدت فيه المهازل، وأصبح فيه التطبيل هو سيد المواقف. في زمان أصبح المنافقون وكذابو الزفة هم أسياد القوم. في زمان عاش فيه عمك السعيد أو عمك التعيس!

لم يكن عمك السعيد رجلًا مثل بقية الرجال، بل كان رجلًا لا يثبت في أي عمل من الأعمال، فكل عدة شهور كان يترك العمل، ثم يشد الرحال، فتتغير الأحوال من حال إلى حال.

إلى أن مر الزمان، وفي أحد الأيام أتى رجل من أرض الله يسعى وقال لعمك السعيد: يا رجل، هل ستظل على هذه الحال؟ لقد سئمت من فشلك في كل شركة تعمل بها. صدقني فوالله لن ينفعك الشرف والأمانة والصراحة في زمان قد انعدم فيه الشرف والصراحة والأمانة!

فقال عمك السعيد: وماذا أفعل؟ لقد اشتد بي الضيق، ولم يعد لي رفيق ولا صديق، فلست قادرًا على أن أكون مثلهم، لست قادرًا على التطبيل والتهليل والعيش في زمان الشخاليل.

فقال الرجل: إن لم تكن قادرًا على أن تكون مثلهم فلم يعد لوجودك في الحياة أي قيمة، سوف تحيا ميتًا.

فقال عمك السعيد: كلا لن أكون؛ فالموت أهون من اتباع ملة الشياطين المنافقين الفاسدين.

ترك الرجل عمك السعيد. ومرت الأيام، وساء الحال، وأصبح عمك السعيد يتراجع شيئًا فشيئًا عن مبادئه وأخلاقه وشرفه. بدأ مع الأيام يستيقظ في الصباح الباكر ثم يشتري طعام الإفطار، وعندما يصل إلى العمل يقابل المدير بأجمل الكلمات والأشعار، ثم يجهز الإفطار للسيد المدير، وبعدها يجهز الشاي، ثم يذهب إليه ويقول له: سيدي المدير.. تالله إني لا أعدك مدير أمن فقط، بل إنك مديرية أمن كاملة. تالله يا سيدي إن أصحاب الشركة الملاعين لو يقدِّرون قيمتك لأعطوك أضعاف ما تتقاضى من مال.

سيدي، إنني في كل يوم أحمد الله على أنني أعمل مع شخص حسن الخلق، طيب القلب، يعرف الله، لا يظلم أحدًا أيًّا كان. سيدي، أود أن أخبرك بكل ما يدور حولك، إن أولئك الذين يعملون معك لا يحبونك، لقد سمعتهم بالأمس يسبونك ويقولون متى يرحل ومتى يحل عن رأسنا؟

فابتسم السيد المدير، وقال لعمك السعيد: لقد أبهرتنى بأخلاقك الكريمة، وأنت من اليوم ذراعي الأيمن، وأعدك أن تكون أول الصاعدين.

مرت الأيام وتبدل الحال، وأصبح عمك السعيد في أعلى المناصب. لكنه بعد مرور العمر وقد هزمه المرض واقترب من الرحيل قال لأبنائه:

إياكم أن تكونوا مثلي... إياكم أن تكونوا مثلي... لقد اخترت الدنيا وبِعت الآخرة، وها أنا الآن أترك الدنيا وأنا خاسر لكل شيء.

بقلم هيثم عبدالكريم عبدالغني هيكل

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.