كان ياما كان في سالف العصر والأوان... مرَّ من هذا المكان كائن صغير الحجم جدًّا... أصغر من الأقزام يُدعى عقلة الإصبع.. على صغر جسمه كان كبير العقل والقلب... لا يكاد يراه الإنسان ضعيف البصر... فيجب أن تحدِّق بكلتا عينيك حتى تراه... لم يؤلمه صغر حجمه لأن هدفه في هذه الحياة ملائم لحجمه الصغير... يعرف لماذا أتى إلى هذه الدنيا... هدفه الإنقاذ... ينقذ كل حائر... كل حزين... كل محتاج إليه حتى لو لم يطلب منه أحد هذا...
كان يمر من أعقاب الأبواب أو يقف عند مقبض الشباك أو على كتف إنسان أو حتى ذيل حيوان... لا يشعر بوجوده أحد... ولكنه كان يشعر بكل الناس ويحاول مساعدتهم فيما استعصى عليهم... وله في كل يوم حكاية...
في يوم من الأيام وقف على حقيبة نورهان حين رآها تبكي وتنتحب وتحكي لزميلتها في المدرسة عن زوجة أبيها التي تعاملها معاملة سيئة وتخرجها من البيت كل يوم بدون طعام وعندما تعود عصرًا تطالبها بالقيام بأعمال منزلية صعبة على من هم في مثل سنها الصغير وأنها لم تعد تحتمل ولا تجد أحدًا تذهب إليه هربًا من زوجة أبيها... حتى أبوها كان ينساق لزوجته ويسمع كلامها ولا يصدِّق ابنته في شكواها...
فزوجته تحمَّلت أطفاله بعد وفاة والدتهم بالسرطان القاتل واعتنت بهم وبالبيت وبه هو شخصيًّا وفوض إليها الحساب والثواب لأبنائه لأنها تقوم مقام الأم... والحقيقة أن زوجته لم تُذق الأبناء أي ثواب بل أغرقتهم في العقاب والحساب... وعلى الرغم من أنها لم تتمكن من إنجاب غيرهم...
فغريزة الأمومة لم تتحرك في قلبها لهم... وقد عانى منها الأبناء وخاصة نورهان؛ لأنها الابنة الكبرى وكانت تحاول تحمل العقاب بدل أخواتها... ولكنها خارت قواها ولم تعد تستطيع التحمل فحاولت زميلاتها أن تهدئ من حالتها وتبث في نفسها الطمأنينة بأن استمرار الحال من المحال، ويومًا ما سيتغير الحال إلى أفضله، فقط نصبر قليلًا...
ولم يستطع عقلة الإصبع ترك نورهان على حالتها هذه فظل معها طيلة اليوم وعاد معها إلى المنزل وهو معلق بقفل حقيبتها... وفي البيت نزل من الحقيبة ورتَّب البيت وغسل الأطباق بدلًا من نورهان وحضَّر لها أطباق الطعام التي تخبئها زوجة أبيها ورصَّها على منضدة المطبخ... وعندما رأت نورهان وأخواتها الطعام الساخن التهموه بفرح ونهم... ثم دخلوا ليستريحوا هنيهة قبل مذاكرة واجباتهم...
فأتت زوجة أبيهم ووجدت البيت أكثر نظافة وهم نائمون فدخلت المطبخ لتناول غذائها فلم تجد سوى ما يكفيها هي وزوجها فاستشاطت غضبًا وحاولت أن تدخل غرفتهم وتوبِّخهم فرفع عقلة الإصبع طرف البساط فتعثرت قدماها وكُسرت...
وفي نفس اللحظة دخل زوجها فلم تستطع أن تقول له ما كانت تنوي فعله فحملها إلى السرير وطلب الطبيب الذي أمر بحملها ووضع جبيرة على القدم فاقترحت أن تذهب لبيت أهلها لكي يرعوها أثناء مرضها ومكثت عندهم عدة أشهر حتى انتهى الفصل الدراسي وظهرت نتيجته بالنجاح فسافروا إلى بيت أسرة أمهم كعادتهم كل نهاية فصل دراسي... راقبهم عقلة الإصبع وفرح لفرحهم وسعادتهم... وقد أراحهم من شرِّ هذه المرأة مدة كبيرة... حتى استطاعوا الاستذكار والتفوق... وهنا ابتسم عقلة الإصبع وتركهم هانئ البال.
مارس 15, 2023, 11:35 ص
أكثر من رائعة
مارس 16, 2023, 3:50 م
رائعة
مارس 16, 2023, 9:55 م
جميله اوي اوي
مارس 20, 2023, 5:29 م
جميلة جدا بالتوفيق
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.