قصة "عالم النساء الوردي".. قصص قصيرة

فاجأتني صديقتي باتصالها في وقت مبكر لتطالبني بارتداء ملابسي على وجه السرعة دون تخطيط سابق، فقد كنا نتحدث ساعة متأخرة ليلة أمس، ولم توجد أي نية لهذا الاتصال المبكر.

أخبرتني أن السيدة أماندا أخبرتها أن دعوة أرسلت لمجلتنا الموقرة لتغطية أحد المؤتمرات الدولية، وأن هذا سبق لم نك لنحلم به، ولا بد للمحررات من حضور حفل الافتتاح.

شددت السيدة أماندا على ضرورة حضورنا بفساتين سهرة متأنقة لكي نكون واجهة مشرفة للمجلة، ولكي تكون طريقة غير مباشرة للترويج لها في وسط هذه الفاعليات.

حقيقة لم أُكمل تنظيف أسناني حتى وجدت ندى تدق الجرس وأمي ترحب بها، تساءلت هل كانت تبيت في مدخل المنزل؟ كيف استطاعت أن تصل بهذه السرعة؟ في العادة تستغرق ندى ساعة كاملة، ودائمًا ما نصل متأخرتين، وتصب علينا أماندا جام غضبها وتطالبنا بسرعة إعداد ونشر المقالات.

عدا صبيحة هذا اليوم أتت ندى قبل أن تشرق الشمس، ذكرتني مرارًا بعدم نسيان بطاقتي البنكية التي بدأت في توديع ما كان بها من رصيد من جرّاءِ هذا الكم الهائل من المشتريات.

يقولون دائمًا إن النكد والتقلب هما رفيقان للفتيات، لكنهم تغافلوا عن الرفيق الأساس الذي لا يمكن التغاضي عن قوته وسطوته ونفوذه، ألا وهو حب التسوق.

جميع الفتيات يعشقن إنفاق النقود في مراكز التسوق، ويجدن متعة لا توصف عندما تتكدس غرفهن بأشياء لا حصر لها.

كم مرات حاولت جاهدة أن أفهم سبب شرائي للكم الهائل من طلاء الأظافر الذي لا أضعه، وتلك الفراشات التي تنير في الظلام، وقطاعة البيض المسلوق إلى قطع، ومضرب النسكافيه فأنا لا آكل البيض ولا اشرب القهوة، لكنها بدت وقتها ضرورة ملحة، من يدري ربما أحببت البيض في يوم ما، وقتها سأتناوله بكيفية لطيفة، ولربما رغبت في شرب النسكافيه ذات مرة، أنا فتاة خُلقت لأكون متأهبة ومستعدة لأي تغير يطرأ على حياتي.

عقب ساعات من التجول وعشرات الأكياس الورقية من ماركات مختلفة وقدمي التي لم تعد تقوى على المضي خطوة واحدة، أخبرتني ندى بضرورة أن نذهب لـ (للميكب آرتست)، وعندما سألتها عن السبب أخبرتني أن هذه الفساتين الباهظة الثمن لا يليق بنا ارتداؤها هكذا، لا بد من (ميكب آرتست) لتضع لنا لمسات الماكياج.

استسلمت لفكرتها التي بدت لي مزعجة وغريبة، لكن ماذا أفعل وتلك الطفلة لا تكف عن الإلحاح، فلنذهب لنرى عالم الفتيات، ونرى ما يصنعنه لدى خبيرة التجميل مادي تلك التي صورها تملأ المنتديات.

استقبلتنا فتاة تبدو في غاية التأنق، حسبتها مادي خبيرة التجميل، لكن ندى أخبرتني أنها مساعدتها، لقد بدت نسخة من مادي، قادتنا لقاعة رحبة مكيفة وأخبرتنا أن مادي ستقابلنا بعد نصف ساعة من الآن.

وجدتها فرصة لأريح قدمي، سرعان ما أتت فتاة تحمل مشروبًا باردً وقدمته، بدت وكأنها مضيفة طيران لا مجرد مساعدة خبيرة تجميل.

أتت فتاتان وجلستا في انتظار مادي، ويبدو أن صداقة ما تربطهما بكلتا المساعدتين، إذ بدا الود في الحديث، وتبادلِ الضحكات ما جعلني أوقن أن استنتاجي صحيح تمامًا.

سرعان ما دار حديث عن آخر صيحات الماكياج، والفرق بين الماكياج الصباحي والمسائي، يا إلهي لم أكن أعلم سوى بوجود أحمر الشفاه، أما تلك المصطلحات التي تحتاج لدارس في مجال الطب أو خبير في علم الكمياء والصيدلة لم يكن لي عهد بها ولم تسمعها أذناي من قبل.

لكن فحوى الحديث وهذا التناغم يبدي أن تلك الأشياء مألوفة للجميع عداي، وهذه ندى التي غطت في نوم عميق تركتني أواجه هذا العالم العجيب وحدي.

طلبت إحداهن تغيير لون شعرها، فنهرتها سوزي مساعدة مادي؛ لأنها تربط شعرها بعقدة ملونة؛ لأنها تضر الشعر، هممت بكتابة قصيدة رثاء لشعري الذي لا يعرف سوى تلك العقد الملونة، لا بد أن خصلاته على وشك الاحتضار.

نظرت فوجدتهن ينتعلن تلك الأحذية والصنادل ذات الكعب العالي جدًّا، هممت بالوقوف، وتوجهت إلى أقرب مرآة، يا إلهي، إنني أشبه الأولاد بهذا القميص الفضفاض والبنطال الأسود ذي الجيوب وشعر مربوط للخلف، وما أكد ما شعرت به هو هذا الحذاء الرياضي، لقد اعتدت طيلة حياتي أن أرتدي الاحذية الرياضية، ولم أترك شعري منسدلًا ولو مرة واحدة.

أنني أقرب للأولاد، تلك هي المرة الأولى التي سأرتدي فيها فستان سهرة، وأضع مساحيق تجميل، لقد أصبحت نسخة مصغرة من معلمتي الألمانية التي لم تك ترتدي سوى البنطال، اعتدت ألا أكوي ملابسي مثلها، وأرتديها ببساطة كما هي من الخزانة مباشرة دون اهتمام بكيها، فهي عادة سخيفة كما اعتادت أن تخبرنا، لقد اكتسبت كثيرًا من الصفات التي تبعدني مسيرة عام عن مجتمع الفتيات الوردي.

لا أحمل في حقيبتي أي ملمع شفاه، ولا حافظة نقود وردية اللون، عدت وركلت ندى التي استيقظت فزعة من تصرفي واخبرتها بأن تنتبه لحديث الفتيات، أصابها الدوار فهي مثلي جاهلة تمامًا بهذه الأمور المتعلقة بـ (الفاونديشن والكونسيلر والآي شادو والهاي لايت).

أخبرتني أن هذه أدوية لعلاج الصرع فنهرتها، وشرحت لها أن هذه أشياء تخص عالم الفتيات الذي خرجنا منه بشهادة مدرسة الراهبات التي كنا ندرس فيها بالمرحلة الثانوية.

أخيرًا أتت إلينا مادي تلك التي يصعب وصف طريقة تأنقها، دخلنا لمكتبها الذي يمتلئ بصور الماكياج والماركات العالمية وصور عارضات الأزياء، لم أعرف سوى ناعومي كامبل؛ لأنني رأيتها ذات مرة في باريس ولم أك لأتعرف عليها لولا أن والدتي أخبرتني أن هذه الضجة؛ لأن ناعومي تصور إعلانًا لأحد العطور العالمية، فتأملتها دقيقتين ثم غادرت المكان غير عابئة بآلاف النسوة اللائي تكدسن للحصول على عينات مجانية وصور وتوقيع من الآنسة كامبل.

تفحصت مادي فساتين السهرة وأخبرتنا بالألوان المقترحة وتسريحات الشعر وما إلى ذلك من الأمور التي اكتفينا فيها بهز رؤوسنا بالموافقة؛ لأننا ببساطة لا نفقه بشيءٍ منها.

عقب سماعها بدأت مادي بتلك الرقة الزائدة تضع لمساتها السحرية على وجه ندى، وأخذت المساعدة تلتقط الصور لندى، كانت ندى سعيدة للغاية، لقد بدت مختلفة، ثم ارتدت الفستان، لقد بدت مثل الأميرات في عالم الكارتون. 

عقب انتهاء مادي من وضع لمساتها حقيقة لم أتعرف إلى نفسي وأنا أبدو مثل الفتيات، لكنني أعتقد أنني بدوت مثل الساحرة الشريرة في أحد الأفلام، أعتقد أنه (ساحر أُوز)، كانت جميلة للغاية لكنها شريرة، هذا هو الانطباع الذي تسرب لنفسي.

مساءً بعد انتهاء الحفل أدركت أن الدخول لعالم الفتيات ليس بالأمر الهين، فأصابع قدمي ظلت تؤلمني أسبوعًا كاملًا، وتلك الدبابيس التي كنت أخرجها من شعري بين الفينة والأخرى كانت كفيلة بإقناعي بجمال الشعر المُنساب.

كانت تجربة مميزة، لكنني حقًا لا أحب مساحيق التجميل، فأنا مقتنعة بنفسي هكذا دون الهاي لايت ولا ملمع الشفاه، لكنني أدركت وندى أنه لا بد من تعديل بسيط على خزانة الملابس لتظهر فيها بعض الألوان المبهجة وبعض الأحذية المُتعبة لتُشبه قليلًا خزانة ملابس الفتيات.

دمتم بكل ود...

اكتب القصص القصيرة والسيناريو.اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط أكتب المقالات على مدونة أنامل عربية وأكتب محتوى لقناة تدبر على يوتيوب. khashabaasmaa@gmail.com

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

سبتمبر 14, 2023, 3:59 م

جميل جدا يا اسماء ارجو ان تقراي مقالاتي و تعطيني رايك فيها اذا احببت..طاب يومك💜

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سبتمبر 14, 2023, 9:07 م

حياك الله اسوم ايوة كدا يا باشا

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سبتمبر 18, 2023, 2:29 م

حبيبتي يا زوزو😘😘😘😘

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 25, 2023, 8:55 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 24, 2023, 7:04 م - أسماء خشبة
سبتمبر 24, 2023, 11:40 ص - حسن محمد قايد
سبتمبر 24, 2023, 6:14 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 23, 2023, 2:32 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 2:19 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 11:08 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 10:50 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 9:11 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 23, 2023, 6:46 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 21, 2023, 5:25 م - ليلى امير
سبتمبر 21, 2023, 1:47 م - أنس بنشواف
سبتمبر 21, 2023, 12:47 م - إياس فرحان الخطيب
سبتمبر 21, 2023, 12:26 م - آسيا نذير القصير
سبتمبر 21, 2023, 11:21 ص - زينب علي محمد
سبتمبر 21, 2023, 8:50 ص - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 21, 2023, 8:11 ص - أمل محمود قشوع
سبتمبر 21, 2023, 7:44 ص - سحر حسين احمد
سبتمبر 21, 2023, 7:37 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 20, 2023, 8:18 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 20, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 4:01 م - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 18, 2023, 2:57 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 18, 2023, 8:23 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 7:21 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 18, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 17, 2023, 4:00 م - عبدالرحمن أحمد عبدربه الصغير
سبتمبر 17, 2023, 9:58 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 17, 2023, 6:26 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 16, 2023, 1:31 م - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 15, 2023, 12:45 م - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 14, 2023, 9:01 ص - صفاء السماء
سبتمبر 14, 2023, 8:40 ص - شروق محمود محمد علي
سبتمبر 14, 2023, 8:05 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 14, 2023, 7:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 14, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 6:44 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 5:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 9:27 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 7:25 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 13, 2023, 6:19 ص - حسام عبدالله الساحلي
سبتمبر 12, 2023, 5:52 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 5:13 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 2:19 م - حنين عبد السلام حجازي
سبتمبر 12, 2023, 8:05 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 12, 2023, 6:47 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 11, 2023, 7:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 2:57 م - مبدوع جمال هند
سبتمبر 11, 2023, 10:04 ص - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 11, 2023, 8:51 ص - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 7:07 ص - مصطفى جاد ابو العز
سبتمبر 11, 2023, 6:24 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 11, 2023, 5:09 ص - أنس بنشواف
سبتمبر 11, 2023, 5:08 ص - جلال ناجي حسن
سبتمبر 10, 2023, 10:54 ص - التجاني حمد
سبتمبر 10, 2023, 9:44 ص - أسماء خشبة
سبتمبر 10, 2023, 9:19 ص - شادى محمد نجيب
سبتمبر 9, 2023, 8:54 م - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 9, 2023, 1:14 م - هشام بوطيب
سبتمبر 9, 2023, 11:14 ص - صفاء السماء
سبتمبر 9, 2023, 11:10 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 9:51 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 6:48 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 1:07 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:59 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:33 م - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 11:54 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 8:09 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 6, 2023, 7:07 م - مجانة يمينة
سبتمبر 6, 2023, 6:39 م - مدبولي ماهر مدبولي
نبذة عن الكاتب

اكتب القصص القصيرة والسيناريو.اعمل في القسم الاخباري بمدونة رواد المتوسط أكتب المقالات على مدونة أنامل عربية وأكتب محتوى لقناة تدبر على يوتيوب. khashabaasmaa@gmail.com