ﻓﻲ إﺣﺪى اﻷﻣﺴﻴﺎت، ﻛﻨﺖ أﺗﻨﺎول اﻟﻜﺮز ﻣﺮة أﺧﺮى على ﻗﻤﺔ ﺷﺠﺮة، وأﺳﺘﻤﺘﻊ بنثر ﺑﺬورﻫﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﺑرمية واﺣﺪة.
سقطت واﺣﺪة منها ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺼﺪﻓﺔ، ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋلى أﻧﻒ ﺟﺎر ﻋﺎﺑﺮ.
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث. ﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﺎرﺗﺒﺎك، ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ رﻓﻊ رأﺳﻪ إلى اﻟﺸﺠﺮة.
إذا ﻟﻢ أُصدر ﺻﻮتًا، وإذا ﻟﻢ أﺗﺤﺮك، فقد يبتعد، ﻣﻌﺘﻘﺪًا أﻧﻬﺎ ﺑﺬرة أﺳﻘﻄﻬﺎ ﻃﺎﺋﺮ أﺛﻨﺎء ﻣﺮوره ﻓﻮﻗﻪ.
وعلى اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺧﺎﺋﻔﺔ وﻣﺤﺮﺟﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، لكنني ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻧﻔﺴﻲ، وﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻚ.
صفَّق الرجل المسكين وﻛﺎن ﺟﺎﻟﺴًﺎ على ﻓﺮع ﻛﺒﻴﺮ من الشجرة ويتوسد الفرع ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺼﺎن.
ﻟﻢ يكن غاضبًا جدًّا ولكنه لم ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻮﻗﻮف ﻟﺮؤية اﺑﺘﺴﺎمتي اﻟﻮاﻫﻴﺔ وأنا أضحك.
ﻗﺎل وﻫﻮ ﻳﺤﺮِّك ﺣﺎﺟﺒﻴﻪ وﻋﻴﻨﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ: أحسنتِ ﻳﺎ اﺑﻨﺘﻲ. لم يلِقْ بكِ أبدًا، ﻣﺎ ﺷﺎء ﷲ على سيدة ﻛﺒﻴﺮة ﻣﺜﻠﻚ ﻧﻤﺖ وﻛﺒﺮت لتتصرف هكذا.
ﻟﻮ اﻧﺸﻘَّﺖ اﻷرض ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ، ﻟﻜﻨﺖ دﺧلتها. ﻣﻦ ﻳﺪري ﻣﺎ الأﻟﻮان التي وﻣضت على وجهي اﻟباﺋﺲ؟ وعلى الرﻏﻢ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ سقوطي ﻣﻦ أعلى اﻟﺸﺠﺮة، ﺷﺒَّﻜﺖ ﻳﺪيَّ ﺑﺼﺪرية ﻗﻤﻴﺺ ﻣﺪرﺳﺘﻲ واﻧﺤﻨيت ﻗﻠﻴًﻼ.
وﻗﻠﺖ: «ﺳﺎﻣﺤﻨﻲ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي... إنه مجرد حادث... أو ﺑﺎﻷﺣﺮى إنه اﻹﻫﻤﺎل».
ﻫﺬه اﻟﻠﻔﺘﺔ اﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﻟﻠﻨﺪاء أُجريت ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ، والتلاﻤﻴﺬ اﻟﻤﺘﺪﻳﻨوﻦ ﻛﺎنوا يؤدونها أﺛﻨﺎء اﻟﺼﻼة أﻣﺎمي وأنا انتبهت لها. ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ أن يكون لهذا الأسلوب تاثير، فقد نفع في كثير من الأحيان.
وكنت أعتقد أن هذه الطريقة التي استخدموها في الصلاة للآلهة التي يقدِّسونها ويخدعونها بالتوسل ﻗﺮونًا عدة، ستنفع معه وﺳﺘﺠﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﺠﻮز إلى اﻟﺸك ويقتنع أنني لست مذنبة.
وﻟﻢ أُﺧﺪع ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮي. ﺧفَّ غضب اﻟﺠﺎر اﻟﺬي ﺧﺪﻋﻪ ﻫﺬا اﻟﻨﺪم اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ واﻟﺮﺟﻔﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﺗﻲ. وﻋلى أي ﺣﺎل، ﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إلى ﻗﻮل ﺷﻲء ﻟﻄﻴﻒ ﻟﻲ: ألا تظنين أن اللامبالاة والإهمال اللذين تعودتِ عليهما سيسببان الضرر لسيدة في مثل عمرك؟
لقد فهمت مقصده جيدًا، ولكني فتحت عينيَّ باهتمامٍ ونظرت تجاهه وقلت: عجبًا، لماذا يا سيدي؟
قال وهو يضحك: مثلًا أنا لا يمكنني أن أخطب فتاة مثلك لابني؟
فضحكت أنا أيضًا، وقلت له: من هذه الجهة أنا واثقة جدًّا ومطمئنة؛ لأنني حتى وإن كنت مؤدبة وهادئة ما كنت لتأخذني.
فقال: ومن أين لكِ أن تعلمي هذا؟
فقلت: لأنني عدا عن تسلق شجرة الكرز، وقطف الثمار منها لديَّ كثير من الذنوب والأخطاء.
أولًا أنا لست غنية، وأنت غالبًا ستفضِّل البحث عن فتاة غنية لابنك، وبخصوص الجمال لا أملكه، وإن سألت فإنني عدا الفقر لديَّ كثير من القصور.
هذه الكلمات أمتعت العجوز كثيرًا ثم قال: تقولين لستِ جميلة؟ وعبس وجهه.
قلت له: ألا أعرف نفسي؟ أهذا ما تقول له جمال؟ أليست الفتاة يجب أن تكون ذات جسد طويل وشعر أصفر، وعينين زرقاوين أو خضراوين، أليس كذلك؟
تغير أسلوب العجوز واندهش.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.