يوم أن داهمنا سيل حزيران..
هي قصة غريبة ولو حدثني بها أحدهم لداخلني الشك بها، لكنني أرويها كما جرت.
ذات يوم سافرتُ إلى دمشق لحضور مَعرِض تجاري في نهايات شهر أيار، ومكثت في دمشق قرابة العشرة أيام، ثم إنني نويت العودة إلى الرقة.
حجزتُ في إحدى الحافلات العامة، وغادرنا دمشق في الحادية عشرة صباحًا، كان الطريق نحو حمص فالسلمية ومنها إلى الرقة طريق جميل، وكنا في نهايات الربيع ولا زالت نفحات الربيع في الأجواء. طريق البادية الذي يبدأ من السلمية وهو يخترق البادية السورية ليمر بحذاء مدينة رصافة هشام الأثرية، ثم يمضي شرقًا تجاه مدينة الرقة بدا أكثر جفافًا وتصحرًا.
بعد أن غادرنا مدينة السلمية بقرابة الساعة لاحظنا تجمع لسيارات وباصات نقل وسط الطريق ظننا للوهلة الأولى أنها زفة عرس، فمعروف عندنا في منطقة الجزيرة والبادية الأعراس الكبيرة، وقد تتواجد سيارات كثيرة إلا أننا حين اقتربنا من التجمع لاحظنا وجود شرطة وعساكر فرابنا الأمر.
وحين توقفت الحافلة وسأل سائقها عن السبب قيل له إن ثمة سيل قادم من جهة الشرق يقطع الطريق العام، وقد منعت الشرطة مرور السيارات تفاديًا من انجرافها مع السيل.
في حقيقة الأمر، إننا لم نكن لنصدق هذا الكلام مع ما نرى الجو الذي يبدو أقرب ليوم صيفي جاف في تلك المنطقة التي مررنا بها..
الأرض جافه والجو صحو ولا يوحي بوجود مطر البتة، إذا من أين جاء ذاك السيل الذي يتحدثون عنه!
وقفت الجموع تتساءل وتنتظر الفرج، مكثنا قرابة النصف ساعة أو تزيد قليلاً حتى جاءت سيارة من الطرف المقابل ليقول لنا ركابها أن السيل أصبح قليلاً وبإمكان السيارات المرور لكن بحذر.
تحرَّكت السيارات والمركبات متتالية وفعلاً بعد أن قطعنا مسافة الخمسة كيلو متر لنتفاجأ بالسيل فعلاً يقطع الطريق وعلى جانبيه أصبح شبه نهرين يجريان بجانبه.
كان منظرًا غريبًا حقا وسط أراضٍ فلاة قاحلة تجد بحرًا من الماء يجري فيها.
وحين سألنا عن السبب قيل إنه ثمة موقع في البادية من جهة الشرق قريب من مدينة السخنة في قلب البادية السورية يأتيه كل عام سيل جارف من الوديان المجاورة وربما جرف الطريق العام في عدة سنوات في مثل هذا الوقت من السنة.
حقيقة هو أمر أغرب من الخيال، لم أكد أصدق ما تراه عيناي ونحن نقطع الطريق والمركبة تمضي بهدوء شديد قاطعة ضحضاح الماء العكر الذي غطى الطريق، ولم نعُد نشاهد الزفت فيه وكان السائق يمضي على هدى معرفته بالطريق سابقًا، إذ لا يتبين له لون الزفت من كثافة تلون المياه بالتراب القادم مع السيل.
لم نتأخر في عبور تلك المنطقة لنخرج سالمين ونلحظ على جانبي الطريق نهران دفاقان لا يصدق أنهما في هذه البادية، حيث السيل في الوسط وعلى الأطراف المرتفعة تلال من التراب الجاف الذي لا أثر للماء عليه البتة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.