عدتُ إلى منزلي وبقيتُ طوال الليل أحفظ السيناريو خاصتي؛ فأداء آسر المبهر أشعل روح المنافسة في نفسي.
لم يكن يقلقني سوى أني لدي عسر واضح في القراءة عانيتُه منذ نعومة أظافري، وكنتُ أتعرَّض للتهميش والسخرية الدائمة من المعلمين، فزرع ذلك خوفًا عندي جعلني أفقد الثقة في نفسي ولولا تكرار آسر المستمر لنص دوري لتهتُ ولم أتمكن من المواصلة في هذا الطريق الجديد.
في الصباح التقيت بآسر وقال: ألم تحصلي على قسط من الراحة؟
رضوى: صدقًا يا آسر قضيت الليل أتقلب في فراشي خوفًا من اليوم .
آسر: لا تقلقي، أنا بجوارك وسأعمل بروفة معك ريثما نصل لموقع التصوير.
كان موقع التصوير فيلا واسعة تطل على حديقة غنَّاء، وصلنا مبكرًا كعادتنا وتمرَّنا، وارتديت ملابس الشخصية، وارتأى المخرج أن يغيِّر فريق التجميل شعري المنسدل، وهذا ما أربكني كيف سأبرر قص شعري وتسريحته الجديدة، الويل لي كل الويل من أمي!
كنتُ أردِّد حوار الشخصية كل دقيقة، ولكني عندما رأيت النجم الكبير صلاح صادق نسيت كل شيء، فقد بدا وقورًا مهتمًّا وجادًّا .
قلتُ لنفسي: ما الذي أتى بي إلى هنا، لست أهلاً لكل هذا، ليتني لم أوافقك يا آسر، سأكون محل سخرية الجميع بعد لحظات.
بحثتُ عن آسر وقلتُ له: لقد نسيت الحوار تمامًا ولا أقدر على الوقوف أمام صلاح صادق مطلقًا.
أمسك بذراعي بشدة وقال: تناسي تمامًا أنه صلاح صادق الذي ترينه على الشاشة وأقنعي نفسك بأنه والدك واستدعي صورة والدك من ذهنك ،فهمتي.
أومأت برأسي وتقدَّمت نحو الفنان الكبير لنؤدي الحوار معًا، قبل بدء التصوير تجاهلت كل أحاسيس الإحباط وفقد الثقة التي داهمتني على حين غفلة من أمري.
وقفتُ أمامه ونطقتُ كلماتي، فابتسم وقال: على الأقل ابدئي بالتحية ثم ابدئي.
شعرتُ بالخجل واحمرَّت وجنتاي وألقيت عليه تحية، فأمسك بيدي وقال: أنت من الآن ولمدة خمسة عشر يومًا ابنتي فأريدك أن تحسني التصرُّف.
كان صلاح صادق مهتمًا بأدق التفاصيل ويناقش الأستاذ وحيد بكل صغيرة وكبيرة؛ وذلك حرصًا منه على نجاح العمل، وهذا ما بعث في نفسي قليلاً من الارتياح فمسلسلات هذا النجم تتصدَّر وبجدارة باقي المسلسلات في كل عام.
دارت الكاميرات وكان آسر ينظر نحوي بلا تعاطف وكأنه يستحثني لأستجمع قواي ،بدت نظراته غاضبة أكثر منها حانية ما دفعني لأن أتناسى الجميع، وأتذكر البروفات مع آسر.
وحمدًا لله أتتني الشجاعة من حيث لا أحتسب، ووجدتُ نفسي أطبق بالحرف تعليمات المخرج ومساعده وانتهت الدقائق الخمس الأولى على خير.
قال لي صلاح صادق: أحسنتِ. فشعرتُ بقليل من الارتياح ثم حان موعد مشهدي مع آسر فتنفست الصعداء، فآسر لا يقلقني وأشعر بالارتياح لوجوده فمضى المشهد بسلاسة أدهشت الجميع.
أخبرنا المخرج أن كيميا طاغية بيننا وعلل ذلك؛ بسبب صلة القرابة بيني وبين آسر.
انتظرت حتى أدَّى آسر مشهدًا منفردًا ثم غادرنا موقع التصوير.
لم أكن أعلم أن العمل بالتمثيل شاق لهذه الدرجة فالإضاءة القوية وكل هؤلاء الذين يقفون خلف الكاميرات والاستعدادات والمكياج والملابس كل هذا مربك للنفس بدرجة كبيرة.
قلت: آسر كيف سأعود إلى بيتي وقد تغير شعري الطويل؟
أجاب: أنت فتاة، الفتيات مجنونات يقدمن على تغيير شعرهن فجأة فلا تلقي بالاً.
رضوى: أخاف من ردة فعل والدتي.
آسر: لا تكوني جبانة يا رضوى، تعلمي المواجهة وافرضي شخصيتك لم تعودي في روضة الأطفال، أنت فتاة جامعية انزعي عنك هذا الخنوع وارتدي ثوب الشجاعة قليلاً.
رضوى: ألا تخشى والديك؟
آسر: لقد توفي والداي منذ زمن طويل، وأعيش مع جدتي وحسب.
رضوى: آسفة يا آسر لم أكن أعلم بذلك.
آسر: لقد تجاوزت تلك المحنة من فترة طويلة وعوضني الله خيرًا بجدتي، فكانت الأب والأم في آنٍ واحد ثم منَّ الله عليَّ بأخت على حين غرة لهذا أشعر بارتياح منقطع النظير مؤخرًا.
رضوى: كيف ترى أدائي بلا مجاملة؟
آسر: عندما رأيتك فور خروجك من غرفة المكياج بدوت أميرة متوجة بنظري وكأني أراك أول مرة، وخفت عليك، وأردت أن آخذ بيدك ونغادر المكان؛ خشيت عليك من كل تلك الفوضى التي تحيط بك وأنت بعد صغيرة لا تدركين شيئًا وأنا من دفعتك لاقتحام هذا المجال، فشعرت أول مرة أنني مسؤول عنك وكأني والدك، أما عن أدائك فبلا شك أكثر من رائع، فأنا معلمك يا حمقاء وأنا أجيد تدريس منهجي لذا بدوت واثقة وكأنك تربيت في استوديو.
رضوى: صدقًا معلمي وأبي وأخي لا تتركني فلستُ أقدر على مواجهة هذا اليم الخضم بدونك.
آسر: أوتحسبيني سأتركك، لا يا ابنتي حارسك الأمين يأبى أن يتحرَّك من مكانه أصبحت ببساطة كل حياته وهو لا يدري.
عندما عدت لم تلاحظ والدتي تغيُّر تسريحة شعري وحثتني على تجهيز الطعام للطاقم الطبي الذي يقطن معنا، فالسادة الأطباء إخوتي لن يقبلوا أن يقل مستوى الخدمة عن المعتاد.
جلست أمام المرآة أنظر لرضوى الجديدة وكأنها شخص غريب لا أعرفه يريد أن يفر من قضبان السجن فدفع بنفسه لطريق مجهول لا يدري أهو الخلاص حقًا أم بداية أخرى لسجنٍ جديد ولكن بقضبان مختلفة.
دخلت أمي وأنا شاردةٌ بفكري ممسكة بفرشاة شعري فأخرجتني من واحة الفكر الذي دخلته وبادرتني: جميل كونك قمت بقص شعرك، لم يكن لطيفًا.
رضوى: هل أعجبك؟
سامية: قليلاً ولكن احذري أن تقصيه أكثر من ذلك حتى لا تتقصف أطرافه، كيف حال جامعتك ومحاضراتك أريدك أن تنجحي فلسنا حمل تأخر بالدراسة.
رضوى: لا تخافي يا أمي أهتم بدروسي كل ليلة، وكل ما أطلبه دعواتك.
سامية: وبما ستفيدك الدعوات، افتحي كتبك بدلاً من الجلوس بلا هدف أمام المرآة ولكن قبل ذلك أعدي لي قوحًا من القهوة ولا تتأخري.
يتبع،
دُمتم بكل ود وحب.
مارس 7, 2023, 8:22 ص
وصف رائع ودقيق لمشاعر الشخصيات
مارس 14, 2023, 7:46 م
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.