كعادته كل صباح وقف السيد محمد أحد أشهر رجال الأعمال في مصر بسيارته الفارهة أمام إحدى كافيهات الشيخ زايد، وأعطى أحد العمال المفتاح ليركنها له، ثم ابتسم ابتسامته المعتادة للعاملين بالكافيه فور دخوله الذين بادلوه ذات الابتسامة، موجهين إياه نحو المنضدة الخاصة به، وبمجرد جلوسه انهمك في كتابة بعض الرسائل على حاسبه المحمول الخاص.
اليوم هو أهم يوم في عامه الحالي، فهو بصدد إنهاء بعض الإجراءات الأخيرة مع إحدى الشركات العالمية الكبرى لإتمام صفقة كبيرة بينهما، كان قد دفع من أجل كسب ثقتها ملايين عدة من الجنيهات.
كان قد بدأ يحتسي قهوته وهو ينظر باهتمام إلى الشاشة أمامه حتى قاطعه ذلك الغريب الواقف أمامه:
- سيد محمد.
- نعم.
- هل تسمح لي بالجلوس؟
- في الحقيقة، في الحقيقة أنا مشغول جدًا الآن، وعليَّ إنهاء بعض الأوراق.
قاطعه الغريب سريعًا:
- أعتذر منك، فأنا لا أريد إضاعة وقتك، لكن الموضوع مهم جدًّا، وواجبي يحتم عليَّ أن أقصه عليك، هذا إن أردت بالطبع.
- معذرة، هل تعرفني؟
- ومَن في كل أنحاء تلك المدينة لا يعرف رجل الأعمال المشهور الذي حقق صفقات عدة رابحة، واستطاع أن يصل إلى العالمية في غضون سنوات قليلة.
- أشكرك، لكن أنا فعلًا مشغول جدًّا الآن، ولا أستطيع إضاعة دقيقة واحدة من وقتي، عمومًا أنا موجود يوميًّا هنا، هذا إن أردت محادثتي ثانية.
- وأنا فعلًا لن أكون موجودًا هنا مرة أخرى، وعمومًا أعتقد أنك قد تغير رأيك إن عرفت عمن أريد أن أتحدث، وآسف لإزعاجك مرة أخرى.
وهَمّ الغريب بالانصراف إلا أن طريقته المستفزة في العرض جعلت السيد محمد يناديه.
- تكلم وأرجو أن يكون الكلام ذا قيمة.
اقترب الغريب من أذن السيد محمد هامسًا له بصوت بطيء:
- زوجك غادة تخونك.
انتفض محمد من مقعده ماسكًا الغريب صائحًا في وجهه:
- كيف تجرؤ أيها الحقير؟
وهَمّ بضربه إلا أن الغريب قاطعه:
- اهدأ يا سيد محمد، أنا لا أكذب عليك، ونحن في مكان عام، وبالطبع لا تريد أن يفتضح أمر عائلتك.
لاحظ محمد اجتماع عمال الكافيه لاستبيان الأمر، فاستجمع هدوءه، وأنزل يده من على الغريب، وقال له:
- اجلس، وهات ما عندك، وإياك والكذب وإلا قطعتك إربًا وسلمتك إلى الشرطة بيدي.
- حسنًا، إن كذبت عليك اقتلني إن أردت، أنا صديق قديم للسيد وجيه مدير أعمالك، وبيننا عدة أعمال سابقة، وأعلم منذ مدة أنه على علاقة بزوجك غادة، لكن لم يكن الأمر يعني لي أي شيء حتى أتكلم عن صديقي الذي لم يقدر وقوفي إلى جانبه مرات عدة حتى دمرني بعد أن نصب عليَّ وسلب مني أموالي، واستولى عليها في إحدى صفقاته المشبوهة، وأمهلته كثيرًا ليرجع لي مالي لكنه أصرّ على إيذائي، ومن حينها أصبح لديّ مهمة واحدة في الحياة أؤديها ألا وهي تدمير وجيه نهائيًّا وإيذاؤه، الساعة الآن الحادية عشرة، والسيد وجيه سيغادر منزلك في تمام الساعة الثانية عشرة، أمامك ساعة واحدة لتكتشف خيانته وزوجك من وراء ظهرك، ساعة واحدة كفيلة بأن تكشف لك الحقيقة، وتغير مجرى الأمور، ساعة واحدة تكفي لتدميره وتحطيمه وإنقاذ سمعتك.
كان السيد محمد يسمع كلمات الغريب كأنها صاعقة من السماء نزلت عليه، فجعلته ثابتًا في مكانه لا يستطيع الحراك حتى إنه لم يلحظ انصراف الغريب، ولم يقطعه عن صمته سوى دقات ساعته لتعلن أن الساعة أصبحت الحادية عشرة تمامًا.
وقف السيد محمد وذهب مسرعًا ووجهه يبدو عليه كل علامات غضب الدنيا، وانصرف بسيارته يشق الطريق شقًا ليصل في الميعاد المناسب، ثم عمر مسدسه، وأزال زر الأمان منه، وأخذ يتذكر ما بينه وبين زوجه، وكيف كانت قصة حبهما حتى إنها حامل منه الآن في شهرها السادس، وما زاده ذلك إلا غضبًا وهو لا يتخيل ما الذي ستؤول إليه الأمور حين يراها مع عشيقها وصديق عمره ومدير أعماله في غرفة نومه.
وصل محمد إلى حيث يسكن، وترك سيارته قافزًا إلى سلالم بيته إلى أن وصل إلى شقته التي فتحها بمنتهى العنف، وأخذ يبحث عن زوجه في الشقة وهو يناديها:
- غادة، غادة.
وفي أثناء ذلك وجد زوجه تقف خلفه ترتدي ملابس نومها وهي تناديه:
- محمد؟ ماذا بك؟ وما الذي جعلك ترجع في هذا الوقت المبكر؟
- لأكتشف خيانتك أيتها الحقيرة.
ثم جذبها من شعرها قائلًا لها:
- أين هو؟ تكلمي.
- من هو؟ وكيف تتحدث إليّ بتلك الطريقة؟
انهمرت دموع عينها وهي تبكي وتحدثه:
- أأنت في وعيك؟
قاطع صراخهما وحديثهما السيد وجيه الذي كان يقف على باب الشقة، وهو يقول لمحمد:
- سيد محمد؟ هل من مشكلة؟ لماذا كل هذا الصراخ؟ هل حدث شيء؟
لم يكن محمد في حاجة إلى أكثر من وجود وجيه أمامه لتتأكد شكوكه، ويسيطر عليه غضبه سيطرة تامة لا سيما وجوده أمام بيت منزله في وقت هو يعرف أنه لا يوجد فيه.
استل محمد مسدسه بسرعة وأطلق النار، رصاصتان كانتا كافيتين لإزهاق روح وجيه أعز أصدقائه ومدير أعماله وزوجه وحبيبته وأم ولده، رصاصتان كانتا كافيتين لإنهاء كل شيء.
جلس محمد على الأريكة وهو ينظر إلى الجثتين في ذهول تام، وهو لا يكاد يصدق ما حدث ممسكًا برأسه محاولًا استيعاب ما حدث إلى أن قطع صمته هاتفه الذي رن، ولم يعلم كيف ولماذا ردَّ على ذلك الرقم الغريب إلا أنه وبمجرد الرد ازداد شحوبه واحمر وجهه من فرط صدمته من المتحدث، والذي ما كان سوى الغريب الذي قابله نهارًا.
- مرحبًا سيد محمد، تهانينا لاسترداد كرامتك، ثم ضحك ضحكة كبيرة مجلجلة، لقد أخبرتك سلفًا، إنها ساعة واحدة كفيلة لتحقيق كل ما أريد، تلك الساعة الواحدة كانت كفيلة بإنهاء كل شيء يا عزيزي، ساعة واحدة كانت كفيلة بهز ثقتك وأخذ الصفقة منك، وضياع ملايين الجنيهات عليك من الشركة العالمية، وهذا جزاء من يطمع أن يحتضن السوق كله لمصلحته، ساعة واحدة جعلتك تقتل زوجك الشريفة وصديقك المقرب ومدير أعمالك السيد وجيه، لا تستغرب كثيرًا فأنا من هاتفته وأخبرته أنك مريض جدًا، وتحتاج أن تذهب إلى المشفى، ويجب أن يكون عندك في أقل من ساعة، هي نفس الساعة التي كانت كفيلة بجعلك تصدّق روايتي، وتنفذ جريمتك.
استمر الغريب يضحك وهو يردد جملة واحدة لينهي بها المكالمة:
- صدقني يا سيد محمد لولا ثقتك في زوجك لما خسرت شيئًا.
أدلى محمد بهاتفه من يده وهو ينظر إلى جثة زوجه وصديقه وفي عقله تتردد الجملة مئات المرات: "لولا ثقتك لما خسرت شيئًا".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.