في قرية من قرى الريف البسيطة وأمام مجموعة من البيوت الصغيرة التي تظهر ضيق حال قانطيها، نجد مجموعة من الأطفال يلهون مستمتعين باللعب، ومن بين هؤلاء الأطفال نجد طفلتين لم يتعدَ عمرهما الخامسة عشر بعد، يتحدثان عن المدرسة وما فعلته كل منهما أثناء اليوم الدراسي، فتبدأ إحداهما الحديث وتدعى أسماء بقولها..
أسماء: ماذا فعلت اليوم في المدرسة يا فاطمة؟
فتجيب الأخرى وتدعى فاطمة..
فاطمة: كان يومًا ممتعًا يا أسماء، فقط كرّمتني معلمة التاريخ نظرًا لتفوقي في هذه المادة، وجعلت الطلاب كلهم يصفقون لي، وقد شعرتُ حينها بسعادة كبيرة.
أسماء: إنه خبر جيد يا فاطمة، لقد شعرت بالسعادة لأجلك فأنتِ تستحقين كل خير؛ لأنك فتاة جيدة للغاية.
فاطمة: شكرًا لكي يا صديقتي، والآن لا بد أن أذهب إلى أمي فهي أخبرتني ألا أتأخر.
أسماء: أذهبي الآن ولكن لا تنسي العودة في المساء لنكمل اللعب مع الأطفال.
فاطمة: حسنًا.
تذهب فاطمة إلى المنزل وعند الدخول إليه تستمع إلى صوت شجار عالٍ من غرفة والديها لتسمع كل منهما يتحدث عنها.
الأم: كيف تستطيع أن تفعل ذلك أنها طفلة ولا تفهم معنى الزواج.
الأب: من قال أنها طفلة! فقد تزوجتك وأنتِ في مثل سنها وأيضًا هذا هو العرف السائد هنا أن تتزوج الفتاة في سن صغير.
الأم: ومن قال إني لم أعانِ! أنا لا أستطيع أن أجعل ابنتي تعانى مثلي أبدًا ثم إن الفتاة تدرس.
الأب: هذا الأمر منتهي، أنا لم أعُد أتحمل أعباء دراستها هي وأخواتها؛ لذلك سأزوجها وقد تقدم لخطبتها شاب ميسور الحال، فهو أحمد بن منصور السيد.
الأم: ماذا؟! أحمد بن منصور إنه أكبر منها بكثير، فقد تخطى الثلاثين من عمره، وكذلك اشتهرت أمه بين نساء القرية بقسوة القلب وعدم الرحمة!
الأب: قلت سابقًا أن الأمر منتهي، لهذا جهزي ابنتك للزواج فقد اتفقت معهم أن يتم الزواج بعد شهر من الآن.
خرج الأب يترك خلفة الأم تشعر بالحزن على حال طفلتها التي لم يختلف كثيرًا عن حال معظم بنات القرية.
أما في الخارج، فقد استمعت فاطمة لكل ما دار من حديث بين والديها وهي تشعر بالصدمة؛ لأنها لم تعِ من هذا الحديث سوى أن والدها سيخرجها من المدرسة وهي تحب الدراسة كثيرًا ولا تريد تركها فتذهب لكي تتحدَّث مع أمها لتحاول إقناع أبيها ليجعلها تكمل دراستها.
فاطمه: أمي أنا لا أريد أن أترك المدرسة، حاولي أن تقنعي أبي أن يتركني أكمل دراستي.
نظرت الأم وهي تشعر والحزن والألم على ابنتها، ولكن عليها أن تجعلها تتقبل الأمر لأنها تعلم أن الأب لا يرجع في أوامره أبدًا فردت عليها..
الأم: فاطمة يا ابنتي أنتِ الآن أصبحتِ آنسة كبيرة وجميلة والجميلات مثلك لا يذهبن إلى المدرسة، ولكن يذهبن إلى بيوت أزواجهن.
فاطمة: ولكن أنا لا أريد هذا..
الأم: اسمعي يا ابنتي نحن سوف نتأتى لكي بملابس جديدة وجميلة وسوف ترتدي فستان زفاف أبيض وجميل مثل الأميرات اللواتي تشاهدينهن في التلفاز.
ردَّت تلك الطفلة في حماس غير مدركة خطورة ما هي مقبلة عليه:
وهل سأصبح جميلة مثلهن؟
الأم ببعض الحزن: نعم بل ستصبحين أجمل منهن أيضًا.
فردَّت بحماس أكبر: إذا فأنا مستعدة لأصبح مثل الأميرات.
وانقضت تلك الفترة في التجهيز لزفاف تلك الصغيرة وسط فرحة الأب، معتقدًا أنه تخلَّص من بعض المصاريف الزائدة وحزن الأم على مصير ابنتها المجهول وحماس الطفلة بشراء الملابس الجديدة، وشعورها باهتمام كل من حولها، حتى جاء اليوم المنتظر يوم الزفاف حيث تجلس تلك الجميلة بفستان زفافها مثل الملائكة تلتف حولها أصدقائها يتمنون لو كانوا في مكانها غافلين عن خطورة الأمر، ويرقصون على أنغام الموسيقا وسط حالة المرح والفرح.
وعند انتهاء الزفاف، ذهبت فاطمة إلى منزل زوجها وأحسَّت فجأة بالوحدة والغربة كونها وحيدة مع رجل غريب ينظر لها بنظرات غير مريحة وامرأة كبيرة في السن تنظر لها نظرات مليئة بالحدة، فتحدثت ببعض الخوف..
فاطمة: أين أمي وأبي.
فرد زوجها ببعض القسوة.
أحمد: من الآن لا يوجد أمي وأبي أنتِ الآن زوجتي، وهذا هو منزلك وأريد منك طاعة كل الأوامر، فأنا لا أحب غير سماع كلمة حاضر ونعم مفهوم.
فاطمه بخوف: مفهوم.
ثم جرَّها خلفه كما تجر الشاه للذبح غير مهتم ببكائها لكي يبتعد عنها فهو غير مراعٍ كونها طفلة لا تعي معنى الزواج الفعلي، وبهذا قد اغتيلت براءة طفلة بسبب جهل أهلها.
وفي صباح اليوم التالي، استيقظت العروس الصغيرة على صوت حماتها المرتفع تأمرها أن تذهب لتؤدي دورها في أعمال المنزل المختلفة، فتنظف المنزل وتغسل الأواني وتُعدُّ الطعام ثم تذهب به إلى الحقل لمساعدة زوجها في أمور الزراعة.
وهكذا أصبحت حياة فاطمة الجديدة تقوم بكل أعمال المنزل وأيضًا مساعدة زوجها في الزراعة مع الاستماع يوميًا إلى صراخ وأوامر حماتها التي لا تنتهي معتقدة أنها بذلك تستطيع السيطرة على زوجة ابنها.
ولكن في أحد الأيام وأثناء انشغال فاطمة في أعمال المنزل شعرت ببعض التعب وعدم القدرة على المواصلة في العمل، وعندما انتبهت لها حماتها.. قالت لها: إنها تشعر التعب ولكن عند زيادة حالة التعب عليها أخذتها للطبيبة للكشف عليها والذي أخبرتهم بحملها..
فكانت الصدمة من نصيب فاطمة التي انتبهت أنها لا مجال لها بعد الآن من هذه الحياة الصعبة، ولكن الفرحة كانت من نصيب زوجها وأمه، ولكن رغم ذلك لم يتم تخفيف أعباء العمل عن فاطمة لأن قانون حماتها هو أن المرأة لا يمكن أن تقصر في حق بيتها أو زوجها رغم شعورها بالمرض أو صعوبة حملها.
وهكذا انقضت فترة حمل فاطمة ما بين تعب حملها وقيامها بكل الأعمال كما كانت من قبل، حتى جاءت اللحظة المنتظرة عند شعورها بألم المخاض وهو الألم التي لم تستطع تحمله فهي شعرت وكأن روحها تخرج من جسدها، فارتفع صوت صراخها يستغيث بكل من حولها، فاجتمع حولها الجميع، زوجها وأمه وكذلك أمها، وأبيها..
وجاءت أيضًا القابلة المكلفة بولادتها فأجره الجميع إلا النساء ليساعدنها، ولكن فاطمة لا تستطيع التحمل فهي بالفعل تشعر أنها تموت من هذه الآلام لا تناسب جسدها الصغير الذي لم يكمل نموه بعد، وكذلك الإرهاق والتعب اللذين عانت منهما أثناء فترة الحمل..
جميع الأمور وقفت ضدها ذلك هذا الوقت، وكلما يزداد ألمها يزداد صراخها معلنًا للجميع صعوبة وضعها، ولكن فجأة هدأت تلك الأصوات وارتفع صوت صراخ صغيرة مرحبًا بالحياة فما كان من الجميع غير التهليل بقولهم: ولدت ولدت..
وعند الالتفات إلى الأم وجدوها تنزف بغزارة، وكأن جسدها يصفى دماؤه، فأسرعوا بها إلى الطبيبة التي كشفت عليها تحاول وقف هذا النزيف وإنقاذ الأم، ولكن لا حياة لمن تنادي..
فقد ماتت فاطمة ماتت تلك الوردة المليئة بالمرح والحياة تاركة خلفها طفلة جديدة، الله وحده هو من يعلم مصيرها ماذا سيكون!
هل يكون مثل مصير أمها أم سيكونون أكثر حرصًا عليها!
مارس 22, 2023, 7:37 م
قصة جميلة معبرة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.