الجو خانق هنا، سأفتح النافذة..
نعم، افتح نافذة قلبك كذلك..
يعود الأخ الكبير إلى العمل في ديار المهجر، ويعود بعد عام فيجد أن أخاه غير مُبالٍ بخطورة اللامبالاة، يتفحص كتب مكتبته الصغيرة فيُرعبه منظرها، إنّ ما يُميزها هو الغُبار المُتطاير منها، وهذا دليل قاطع أَنّ يد طالب العالم لم تفتحها.
استشاط الأخ الكبير غضبًا وخاطب أخاه قائلًا:
ما هذا يا هذا؟ إن الكتب لم تُقرأ، لمن تفوح الحروف إذا لم تتنسم أنت بعطرها، أرى الصحف مهجورة فوق الرفوف..
وهكذا اكتسب طالب العلم عادة سيئة، لا يتعظ بوعظ الأخ النبيل، وما السبيل إلى إيقاظ همم هذا المُتقاعس؟
تساءل النبيل، ولم يجد سبيلًا غير زجره ونهيه عدة مرّات لكنه لم يبدِ اهتمامًا..
لسبع سنوات لم يفقِ الأخ الصغير من نومه وغيابه الفكري، إلاّ أن النبيل لم يمَل بل اجتهد ولجأ إلى طرق أُخرى لترقية الروح العلمية لأَخيه، حافظ على الود وصار يمدح أخاه بعبارات التقدير، والأفضل أنه جلس على طاولة الحوار معه، وأبدى استعداده للتعاون معه في رحلته التعليمية، قال: تعال جنبي لتتعلم فنّ القراءة.
قبل طالب العلم دعوة أخيه وقعدا يتدارسان مُقرراته التعليمية.. وضّح الأخ الكبير النبيل أنّ القراءة فن، أي أنه يجب أن يتفنن وهو يقرأ، وأن يقرأ بذكاء، فأعطاه مثالًا على ذلك، قال: افتح كتابك ولا تُشتت ذهنك بأشياء أُخرى، ركز على موضوع واحد، وطالع الصفحة بحضورك ذهني، وعيناك تلتهم السُطور بسرور نفسي..
إذا تلذذت بحروف الصفحة وشممت عطرها، فقد أصبحت داخل مملكة فن القراءة.. وشرح له درسًا في الكتابة الأكاديمية، وأن إنشاء موضوع كتابي يتطلّب بداية تُغري القارئ وعرض الأفكار بتنسيق ثم الخاتمة بذكر ما جاء في المقدمة وتأكيد ما ذكره فيها.
تحسن الأخ في طلبه للعلم وكان في السنة الأخيرة قبل تخرجه في الجامعة، وسعد الأخ النبيل بذلك فاكتفى بتذكيره من حين لآخر بقوله: "لا تهمل كتبك، تعلم ولن تندم".
كان الأخ الكبير نبيلًا، ووردة نُبله وهبت رحيق المعرفة لأخيه إلى أن تفوق وحصل على الإجازة في الأدب الإنجليزي، شكر الأخ النبيل أخاه على مجهوده وبين له أن تعلم اللغة مفيد لفهم ثقافة وتراث الشعوب، كما أنها وسيلة لنقل الفكر عن طريق الترجمة، فقال له أُخيَّ لولا الترجمة ما استطعنا نقل حكمة توماس ڤولر (Thomas Fuller): "لا يكون المرء مؤمنًا حتى يعيش تبعًا لما آمن به".
اكتملت بهجة النبيل وهو يرى أخاه يختم تأشيرة السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتدريس اللغة الإنجليزية لأصحاب الدار هناك في التعليم الأولي..
إنّ رحيق النُّبل تلقيح للفقراء من الخزي والذل، وتلقيح للأذهان فتدرك عظمة العلم والمعرفة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.