لم يكن ذلك اليوم عاديًّا في حياة باسم، ولا حتى في حياة من حوله، فالوعكة الصحية الأخيرة أرغمته على زيارة الطبيب لا ليطمئن فهو مطمئن بل ليريح بال أمه الثرثار الذي يبتكر لها سيناريوهات ومشاهد درامية.
ولا أدري هل بالها أم قلبها من نبأها أن ابنها مريض!
في المستشفى كان الجو عاديًّا، الممرضات والمرضى في الرواق، الحياة السريعة أو بقاياها تركض بين الناس ومع الناس، وباسم في انتظار أن ينادى عليه حتى يعرف نتائج تحاليله.
دخل الطبيب إلى الغرفة مبتسمًا تلك الابتسامة التي تريح القلب، ضمن باسم أن التحليل كما كرر على مسامع أمه لآلاف المرات لن يسفر سوى إرهاق وقلة نوم، وبينما باسم يقترب من الانتصار لتوقعاته، نطق الطبيب ورم سرطاني في المصران!
ضحك باسم ضحكةً عالية، هي ضحكة الصدمة التي لم يلبث تحت تأثيرها طويلاً، فالطبيب شرح الحالة سريعًا وأخبره أنه في بداية المرض وأن العلاج متوفر، والاعتماد كل الاعتماد على قوته وإرادته وحبه للحياة؛ للتغلب على هذه الكبوة البسيطة.
كانت كلمات الطبيب علاجًا بحد ذاته في أفكار باسم، فقد شعر للمرة الأولى بالراحة والاطمئنان وبرغبة فولاذية في عدم الاستسلام والنضال للشفاء.
عرض باسم الحالة على عائلته، أخبرهم الوضع الحالي بكل راحة وطمأنينة، لم تستطع والدته على صلابتها أن تخفي دمعة عينها، أسمتها دمعة الفخر بابنها الشاب الذي اختار الحياة.
أيامٌ قليلة ودخل باسم المستشفى لإجراء استئصال بسيط، وبعدها تلقى العلاج..
لا ينسى باسم هذه التجربة وتأثيرها في حياته، لا ينسى دعم الطبيب وكلماته البلسمية حين قال: "السكر مرض دائم والسرطان مرض مؤقت".
لا تخف لن ينسى أصدقاءه في رحلاتهم الدورية معه بين العلاج والغرفة ولكنه حتمًا لن ينسى ابتسامة أمه ودعواته بيقينٍ أنه سيكون بخير..
ذاك الأمل بالخير هو من ثبته في رحلة العلاج..
خمسة عشر دقيقة غيَّرت حياة شاب وعلمته معنى الإرادة الجبارة، خمسة عشر دقيقة بدَّلت أفكار عائلة بأكملها تجاه تجربة السرطان.
في الألفية الثالثة، لم يعُد الخوف محصورًا بمرض خبيث أو تجربة كيميائية.. الحياة أوسع وأكبر من مخاوفنا والأكيد أنها أحلى وأحلى من ذلك بكثير..
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.