في بيت هادئ نجد غرفة صغيرة تحتوي على شباك صغير يطلُّ على حديقة ميتة لا حياة فيها، لا أشجار، ولا أزهار، وسرير صغير ممدد على الأرض، فوقه وسادة مهترئة بالية، وخزانة مع درجين فيها.
هذه كانت غرفة أحمد الذي يعيش هنا مع أمه لوحدهما، لم يكن لأحمد أبٌ، فقد مات في حادث سيارة عندما كانت تُنقَل أمه إلى المستشفى لتلده، حيث كان والده يعمل في المناجم، وعند سماعه الخبر انتقل بسرعة متجهًا نحو المستشفى ليلقى زوجته وابنه حديث الولادة، لكنه اصطدم بسيارة كانت مسرعة؛ ما أدى لوفاته في عين المكان.
كانت صاعقة للأم، فلقد كان الأب المعيل الوحيد للأسرة، تكبدت عناء ابنها وعنائها، لقد خرجت للعمل، وكانت هذه أول مرة في حياتها تعرَّضت فيها لمجموعة من أنواع الاضطهاد.
لقد رأت مرارة العالم الذي كان زوجها المرحوم يعيشه كل يوم من صراخ وضرب وتعذيب للذين يستغلونها، كل هذا من أجل ابنها الذي لم يعش حياة هنيئة، بالكاد يستطيع العيش.. كانت الأموال التي تعمل من أجلها الأم قليلة، لم تكن تكفي أحيانًا حتى الطعام، أما الملابس فكانت كلها مستعملة، لم يستطع شراءها جديدة؛ لأنها غالية الثمن.
درس أحمد الابتدائي ووصل إلى الثانوي، وقرر أن يعمل ويساعد أمه، كانت الأم معارضة؛ أرادته أن يجتهد في دراسته من أجل مستقبل أفضل، لكنه استطاع إقناعها أنه سيدرس ويعمل بدوام جزئي؛ ليوفر في الأقل مصاريف دراسته.
بقي على هذا الحال حتى تخرج من الجامعة بتقدير ممتاز، وتقدَّم بعدها لوظيفة وعُيِّن. كانت العائلة الصغيرة سعيدة بالخبر لأن الحال سيتغير، وفعلًا تغيَّرت حياتهما للأفضل، ليست حياة رفيعة لكنها في الأقل تُلبي حاجاتهما الأساسية من مأكل وملبس ومسكن.
وبعد ذلك قرَّر أحمد الزواج؛ لأنه رأى أنه قادر على هذا. دعمته الأم في القرار، ذهبت الأم لخطبة ابنة جارتهم التي كانت بالقرب منهم، إذ رأتها مناسبة لابنها.
وافق كلا الطرفين على الزواج، وتزوجا وانتقلت الفتاة للعيش مع زوجها، لم تكن تحدث مشكلات بين الأم والزوجة؛ وذلك لأن الزوجة كانت تحترم الأم للغاية.
حملت الزوجة مولودها الأول، وحينها بدأت المشكلات تظهر للعائلة. ازداد الحمل على الزوج، ولم تعُد تستطيع التحمل؛ لأن الأم اعتادت أن تدبر الزوجة أمور المنزل، لكنها أصبحت تتعب؛ بسبب الحمل، لذا صارت تطلب من أم زوجها أن تنجز مهامها، والأم ترفض.
وفي كل مرة يدخل أحمد فتنفعلا في وجهه، وكل منهما تظهر أنها على حق، لم يعد أحمد يتحمل هذا، لا سيما أنه يكون منهكًا من العمل.
جاء موعد ولادة الزوجة، كانت في ذاك الحين عند أهلها؛ لأنها لم تعد تتحمل المشكلات، وأحمد لا يريد الفراق عن أمه. علم أحمد أن زوجته ستلد، وأخبر أمه التي كانت في المنزل.
طلب إذنًا من المدير للذهاب إلى المستشفى. ذهب بسيارته مسرعًا واصطدم برجل قرب المستشفى، ما تسبب بوفاته. في الحين جاءت الشرطة لعين المكان، ونُقل أحمد للقسم للتحقيق معه.
حُكِم عليه بعد ذلك بالسجن. كانت الأم منهارة، لقد فقدت زوجها وحبس ابنها، أما الزوجة فقد طلبت الطلاق، لم تقدر الأم على الفراق؛ فماتت من شدة الحزن، وعندما علم أحمد بموتها فدخل في حالة اكتئاب حادة حتى يوم مماته، لقد انتحر في زنزانته ومات.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.