وقفت منى في منزل العائلة أمام إحدى الصور المعلقة على أحد جدران المنزل، كانت هذه الصورة لفتاة جميلة جدًا، وأخذت تدق فيها منى وكأنها تتذكر شريطًا يعرض أمامها من الأحداث التي كانت مع هذه الفتاة..
لتغمض عينيها وتروي وتقول هذه هي عمتي المحبوبة إلى قلبي وفاء، وكانت من مواليد الخمسينيَّات، وهي كانت فتاة مرحة وجميلة جدًا وذات ذكاء وأتمت دراستها الثانوية، ثم التحقت بالمرحلة الجامعية وحصلت على بكالوريوس تجارة، وكانت محاسبة في بنك بوظيفة ناجحة جدًا.
وتسكتُ منى لحظات وفي عينيها دموع وتقول هذا الشيء الجميل، لكن عمتو تقدَّم لها المهندس محمود سعد، وكانت بينهما قصة حب جميلة، وكانت في ذلك اليوم سعيدة جدًا، عندما جاء مهندس محمود وعائلته إلى البيت، وكانت في أبهى صورها، وكانت ترتدي فستانًا رائعًا جدًا، وجلس م.محمود وعائلته المحترمين وجاء جدي وجدتي، وجلسوا ثم بدأوا أطراف الحديث للتعارف، ثم طلب والد المهندس محمود يد عمتي من جدي..
وكان الكل سعيدًا ينتظر الرد من جدي، ولكن هنا كانت المفاجأة لأن جدي لم يوافق ورفض بشدة وأحرج عمتي وأحرج المهندس وعائلته..
ذهب المهندس وعائلته على الفور، وكانت عمتي تنظر بصدمة شديدة ولم تعرف لماذا هذا.. مع العلم أن جدي كان يعلم بوجود قصة حب بينهما، وكان موافقًا فماذا حدث! كانت تنظر لجدي وفي عينيها أسئلة كثيرة، ولكن لم تتفوه بكلمة واحدة، ولم تعارك قرار والدها..
مرت الأيام وزوَّجها والدها بابن أخي وابتدأت عمتي في تكوين أسرتها الجديدة وبيتها، وكان زوجها مدرسًا، وكان يحبها وهي كانت أمينة في زواجها وبيتها، ثم أنجبت ابنًا، وكان الابن من ذوي احتياجات الخاصة، وقضت مرحلة شبابها مع هذا الابن هي وزوجها، واعتنوا به وشكروا ربهم على عطيته لهم، واهتموا بهذه العطية على أجمل وجه، لكن عمتي قضت أيامًا صعبة جدًا حين فقدت زوجها..
وبعد ذلك هي كانت مريضة أيضًا وكانت تعول ابنها القعيد حتى توفاه الله، وبعد ذلك هي توفيت وقد دفنت أحلامها معها وآمالها التي لم تحققها حتى رحلت وكانت رحلتها في الدنيا رحلة شقاء وتعب، إضافة للمرض الذي أخذته بشكر واحتمال لقضاء الله..
وعندما تتذكر منى هذه القصة تقول كم كنت أشفق على عمتي عندما أراها تبتسم وتعطي النصائح وتعطي الصبر لمن يأتي لكي يواسيها، ولكن كنت أنظر وأعلم أنها بداخلها كانت حزينة جدًا، لكن كانت قوية ولم تستسلم حتى حين بُترَت قدميها لم تستسلم..
وأخذت هذا بحمد لقضاء الله، ومع ذلك قامت بعمل مشروع لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وطبعًا الرعد بكل أملاكها وإقامة وأشرفت على تجهيزه لكي يستقبل أبناء غير قادرين لكي يكونوا شيئًا مفيدًا في المجتمع، وأتمت رسالتها بقوة وثبات وأخذت من ضعفها قوة..
كم أني فخورة بها وبقوتها وعظمتها، الله يرحمك يا عمتو وفاء ويغفر لك، وإلى هنا نقف قليلاً ثم نستكمل بعد ذلك ذكرى أخرى من ذكريات منى..
إلى اللقاء انتظروني في الحلقة القادمة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.