يقترب المنمي من بقرته وينزع الحبل من رجلها، ثم يمضي لسبيله.
البقرة الكبيرة: عجبًا، هو الإنسان يلاحقنا حتى في الفيافي، ليطمئن على استقرارنا وكأنه يخشى منا الفرار.
البقرة الوسطى: إن الإنسان يستغلنا أبشع استغلال، فهو لا يكتفي بما نوفره له من حليب ودهون، بل يذبح صغارنا وكبارنا ليوفر لنفسه ما يحتاج من لحوم. هو لا يُبقينا إلا لأنه لا يزال بحاجة لحليبنا ويطمع فيما ننتجه له من عجول، ولأني أدرك شقاءه وعدوانيته تجاهنا، قررت أن أنطحه كلما اقترب من حظيرة العجول خشيةً على أبنائي منه. لكنه صرعني ووضع هذا الحبل في قرني، لتتسنى له السيطرة عليَّ بعد العودة.
البقرة الكبيرة: اهدئي أيتها العزيزة، فهو مع ذلك يمتلك قلبًا رحيمًا، وكما أننا مسخَّرون له، فهو مسخَّر لنا؛ يرعى كبارنا ويوفر لنا الأعلاف وقت انعدام الرعي، وبذلك يحفظ جماعتنا من الانقراض. فانظروا، قبل خمسة أجيال من الآن، "خمسين سنة"، كانت الغزلان والنعام ترعى إلى جنب الأسود والدببة والضباع، وقد انقرضت تلك الحيوانات ولم يبقَ غير التي رعاها الإنسان وأحاطها بكنفه، فنحن مدينون للإنسان ببقائنا.
تأوي البقرات إلى ظل الأشجار وقت الظهيرة، فتأخذهن سِنة من النوم. يستيقظن بعد الزوال ثم يرعين قليلًا من الأعشاب الخضراء قبل أن يسلكن طريق العودة.
البقرة الكبيرة: كلن قليلًا من هذا العشب الأخضر حتى تمتلئ ضروعكن باللبن، فصغاركن في الحظيرة ينتظرن عودتكن بفارغ الصبر.
البقرة الوسطى: وكذلك الإنسان يستولي على النصيب الأكبر من ألباننا، ولن يمنح صغارنا غير ما يحفظ به حياتهن. ليته لم يقيدني بهذا الحبل حتى أنطح صغاره وأذيقه بعض الذي يذيقنا من العذاب.
البقرة الوافدة: سأصحبكن إلى الحي لأني لم أحفظ طريق العودة إلى صغيري كليًّا، لذلك سأستعين بالصياح.
ينتظر المنمي عودة القطيع بفارغ الصبر، متشوقًا لرؤية بقرته عائدة.
المنمي: ها قد عادت بعض قطعان الحي ولم تعد بقرتي، لعلها أضلت طريق العودة أو سلكت طريقًا موصلًا لبلدها الأصلي.
المنمي 2: لا داعي للقلق، لم تعد كامل القطعان، ولعلها لم ترعَ كفايتها من الأعشاب بعد، ولا تزال تنتظر آخر القطعان.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.