قصة "تضحية وأنانية".. قصص واقعية

وقفت فاطمة مدة من الزمن لا تعرف مقدارها أهي دقائق أم ساعات.. وقفت تنظر إلى هؤلاء الأطفال... ثمار زواجها بعاطف.. ذلك الموظف البسيط الذي حمل مسؤولية الزواج وتكاليفه بصعوبة بالغة.

فقد كان عاطف ابنًا لأسرة مصرية عادية أخذت على عاتقها تعليم أبنائها في وقت كان من يحصل فيه على الشهادة الابتدائية يعدُّ متعلمًا يحمل شهادة محترمة، فكان العلم في أيدي هذه الأسرة هو السلاح القوى والعدة والعداد، فكان والد عاطف صاحب أخلاق ومتمسك بالعادات والتقاليد المصرية... 

انحدر من أصول صعيدية ويمتاز بالقوة والسيطرة على بيته وأمور حياته فكان قويًا لا ترد إليه كلمة، وكذلك كانت زوجته التي ربت أبناءها واهتمت بتعليمهم..

وقد أثمرت بذورهما الخير الوفير فخرج من بينهم القاضي والطبيب الذي أدار مشفى كبيرة ومشهورة وموظف ذا حيثية... إلى هنا الأمور على ما يرام، حتى مال فرع من فروع الشجرة، وكان هذا الفرع عاطف.. الذي أهمل دراسته وهام حبًّا بفتاة بسيطة في كل شيء، وأصرَّ على الزواج بها، وتحدى أبواه اللذان رفضا فكرة زواجه وهو ما زال يدرس، ورفضوا ارتباطه بفتاة دونهم، ولكنه ضرب بكلامهم عرض الحائط وتزوج بفاطمة دون علمهم، وترك الدراسة وبحث عن وظيفة بالثانوية العامة..

ووضع أسرته أمام الأمر الواقع ولكن أبدًا لم يتقبلوا فاطمة، وحملوها مسؤولية ضياع مستقبل أصغر أبنائهم... أنجبت فاطمة منه ابنًا وبنتين... 

وبعد وقت عاد عاطف لاستهتاره وضياع وقته على المقاهي ولم يتحمل المسؤولية التي ألقاها على نفسه، فهرب خارج البيت، فاضطرت فاطمة أن تخرج للعمل، وعملت ليل نهار كي تربي أبناءها وتعلمهم... 

فذاقت الأمرين تارة لرفض أهل عاطف لها ولأولادها، وتارة لاستهتار زوجها.. وبعد عدد من سنوات مريرة وكفاح أمر، صدمت عاطف سيارة مسرعة أردته قتيلًا، وتركها هي والحياة تعبث كل منهما بالأخرى....

لم تجد سوى قلب ابنها وبناتها يحنون عليها ويحملون معها قدرًا من هذا الشقاء... فعندما بدأت بوادر المراهقة تظهر على وجه ابنها حاول مساعدتها، فكان يعمل في الإجازات الصيفية ويعطيها راتبه كله، فلم يكن لديه طلبات خاصة.. 

بعد مرور عشرة أعوام على وفاة والده.. بعد عشرة أعوام من كفاح أمه لتربية أبنائها..  أخيرًا وبعد طولِ عناء.. دق الباب الفرج والفرح.. وبدأت تشعر الأم بشيء من الراحة.. فهذا أكبر أبنائها.. السند والعوض الذي ادخره الله لها عوضًـا لها عن موت أبيه وعن سنوات الشقاء... 

عوضا عن السنوات العجاف.. بدأ الابن يصعد أول درجة من درجات التدرج الوظيفي وليست أي وظيفة .. بل وظيفة مرموقة ساعده عليها أهل الخير ممن رأف بحالهم ويعرف قدر أمهم.. 

وثقل جيب الفتى ولأول مرة بمئات الجنيهات التي تجمعت في صورة راتبه الشهري.. وثب إلى أمه كي يلقى بحجرها راتبه كله ويستسمحها في مصروف جيب قليل للتنقل والقليل من مشروبات بوفيه مكتب عمله.. ولحق إخوته بوظائف أيضًا، وفرحوا بها فرحا شديدًا،  وظل الابن الأكبر على حاله كل راتبه لأمه تفعل به ما تشاء..

 وبعد مدة تعرف الفتى على زميلة له بالعمل من أصل طيب مثله، وقد شغفها حبًّا وطار إلى أمه يشكو لها لوعة قلبه، فبهتت الأم... ولم ترحب بكلامه ونهرته عليه... 

وبعد عدة أيام حاول مع أمه لتذهب تخطب له فتاته فذهبت معه على مضض.. وخرجت تحاول تحميل نفسه من الفتاة وأسرتها فلم يستجب وشاركها الحديث عن احتياجاته؛ لتجهيز بيت زوجية مناسب، وهذا يتطلب أن تعمل له جمعية ببعض من راتبه وهنا أخذت تبكي وتولول على حظها المايل، فكيف لها تجهيز بنتين وحدها وسندها الوحيد يريد تركهم ويتزوج ويعطي خيره لغيره... 

كيف يفكر في نفسه دون إخوته ودون أن يحاول تعويض أمه بالحج، وإذا مرضت من سيرعاها وقد أتعبها العمل وتريد أن ترتاح.. فطالبته بمال أكثر لسد حاجة البيت وكيف أن الحال مايل ولا تستطيع تلبية طلبات زواجه..  

وكلما حصل على مال أخذته وصرفته عليها وعلى بناتها... عجز الفتى عن الوفاء بوعد الزواج... وترك فتاته.. فرحت أمه فرحًا شديدًا.. وطلبت منه ألا يفكر في الزواج إلا بعد موتها وظل الابن بجوار أمه.. 

وتزوج جميع أخواته وفرح الجميع ببيوتهم وأبنائهم عداه هو؛ لأنه كان فريسة لأنانية أمه....وإذا بالقدر يحمل لنا أسراره... فمرضت أمه مرضًا شديدًا أقعدها عن الحركة، فجن جنون ابنها وأرسل في طلب طبيب ليسعفها، ولبت المستشفى طلبه وأرسلت إليه طبيبه.... أسعفت أمه ووضعتها تحت الملاحظة وبقيت معها لتسترد عافيتها... 

فتعجب الرجل كيف لطبيبة تمكث كل هذا الوقت في عملها ولا تتلهف إلى العودة إلى بيتها.. واعتذر لها لأنه تسبب في تأخيرها عن بيتها وزوجها.

فضحكت وردت: لا عليك... خرج ليصنع لها فنجان شاي ويكمل حديثه معها.. وسألها ما سبب ضحكها فأفصحت أنها لم تتزوج لأن أمها كانت مريضة وفي حاجة ماسة لها، ولم ترد أن يتشارك أحد معها في حياتها، ولكن استرد الله أمانته وماتت العام الماضي.... فضحك ضحكة عالية حتى أدمعت عيناه.. فتعجبت الطبيب لضحكه وبادرها تتجوزينني.. ماذا؟... تتجوزيني.. وأول شيء قام بعمله بعد شفاء أمة أن تزوج بهدية الله له.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

سبتمبر 14, 2023, 1:04 م

جميل ارجو ان تقراي مقالاتي وتعطيني رايك فيها و شكرا مسبقا ☺️❤️ طاب يومك 🌸

أضف ردا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
سبتمبر 25, 2023, 8:55 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 24, 2023, 11:40 ص - حسن محمد قايد
سبتمبر 24, 2023, 6:14 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 23, 2023, 2:32 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 2:19 م - بومالة مليسا
سبتمبر 23, 2023, 11:08 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 10:50 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 23, 2023, 9:11 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 23, 2023, 6:46 ص - خوله كامل عبدالله الكردي
سبتمبر 21, 2023, 5:25 م - ليلى امير
سبتمبر 21, 2023, 1:47 م - أنس بنشواف
سبتمبر 21, 2023, 12:47 م - إياس فرحان الخطيب
سبتمبر 21, 2023, 12:26 م - آسيا نذير القصير
سبتمبر 21, 2023, 11:21 ص - زينب علي محمد
سبتمبر 21, 2023, 8:50 ص - وليد فتح الله صادق احمد
سبتمبر 21, 2023, 7:44 ص - سحر حسين احمد
سبتمبر 21, 2023, 7:37 ص - خلود محمد معتوق محمد
سبتمبر 20, 2023, 8:18 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 20, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 2:57 م - بوعمرة نوال
سبتمبر 18, 2023, 8:23 ص - زينب هلال
سبتمبر 18, 2023, 7:21 ص - سومر محمد زرقا
سبتمبر 18, 2023, 6:20 ص - زينب هلال
سبتمبر 17, 2023, 9:58 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 17, 2023, 6:26 ص - مني حسن عبد الرسول
سبتمبر 15, 2023, 12:45 م - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 14, 2023, 9:01 ص - صفاء السماء
سبتمبر 14, 2023, 8:40 ص - شروق محمود محمد علي
سبتمبر 14, 2023, 8:05 ص - أسماء محمد حمودة
سبتمبر 14, 2023, 7:03 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 14, 2023, 6:14 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 6:44 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 5:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 13, 2023, 9:27 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 13, 2023, 6:19 ص - حسام عبدالله الساحلي
سبتمبر 12, 2023, 5:52 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 5:13 م - صفاء السماء
سبتمبر 12, 2023, 2:19 م - حنين عبد السلام حجازي
سبتمبر 12, 2023, 8:05 ص - ميساء محمد ديب وهبة
سبتمبر 12, 2023, 6:47 ص - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 11, 2023, 7:36 م - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 2:57 م - مبدوع جمال هند
سبتمبر 11, 2023, 10:04 ص - محمود سلامه الهايشه
سبتمبر 11, 2023, 8:51 ص - صفاء السماء
سبتمبر 11, 2023, 6:24 ص - سهيلة يحيى زكريا
سبتمبر 11, 2023, 5:09 ص - أنس بنشواف
سبتمبر 11, 2023, 5:08 ص - جلال ناجي حسن
سبتمبر 10, 2023, 10:54 ص - التجاني حمد
سبتمبر 10, 2023, 9:44 ص - أسماء خشبة
سبتمبر 10, 2023, 9:19 ص - شادى محمد نجيب
سبتمبر 9, 2023, 1:14 م - هشام بوطيب
سبتمبر 9, 2023, 11:10 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 9:51 ص - وصال وداعه علي
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 9, 2023, 8:12 ص - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 6:48 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 1:07 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:59 م - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 12:33 م - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 7, 2023, 11:54 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 7, 2023, 8:09 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 6, 2023, 7:07 م - مجانة يمينة
سبتمبر 6, 2023, 6:39 م - مدبولي ماهر مدبولي
سبتمبر 6, 2023, 7:16 ص - زينب علي محمد
سبتمبر 6, 2023, 5:59 ص - عزام جمعة سعيد
سبتمبر 5, 2023, 1:24 م - رايا بهاء الدين البيك
سبتمبر 5, 2023, 10:31 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 5, 2023, 9:44 ص - بومالة مليسا
سبتمبر 5, 2023, 8:47 ص - لؤي نور الدين الرباط
سبتمبر 4, 2023, 5:19 م - صفاء السماء
سبتمبر 4, 2023, 11:18 ص - آسيا نذير القصير
سبتمبر 4, 2023, 6:12 ص - صفاء السماء
سبتمبر 3, 2023, 1:31 م - مجانة يمينة
سبتمبر 3, 2023, 12:36 م - إيمان عبدالباري قائد
سبتمبر 3, 2023, 9:52 ص - هاني ميلاد مامي
سبتمبر 3, 2023, 9:40 ص - صفاء السماء
سبتمبر 3, 2023, 5:23 ص - صفاء السماء
نبذة عن الكاتب