إنها المشية التي اعتادت أن تمشيها في ذات الطريق، كمبتور الساقين يتكئ على عكازة خشبية واحدة، بملل تستقبل أشعة الشمس التي تحاول التسلل إلى أعماقها لتسرق منها بعضًا من الظلام والحزن المتوشح به قلبها... لتجد أعماقها متجمدة تمامًا، والظلام المحيط يتعمق وينتشر. لكنها، ومع هذا، ترتدي ابتسامة مصطنعة وعينين تحاول أن ترسم فيهما الأمل على الرغم من سواد الحزن الذي أحاطهما.
لم تعد آبهةً بالأيام التي تمر أو حتى القادمة، فالأحداث نزعت من أعماقها الشغف. لا حنين يزورها، ولا مشاعر لديها لتتحرك، كل الأيام ثقيلة على قلبها، تستقبلها كطفل فقد كل ما يملك بحرب بائسة خرج منها حيًا لكنه فقد نفسه.
مسؤولياتها متراكمة؛ إيجار منزلها الصغير المتهاوي وصراخ مالكه نهاية كل شهر، الأطفال الذين باتوا حملًا بالنسبة لها، مصروفاتهم المتزايدة، أحلامهم التي لا تنتهي، وقلبها الذي لا يرق لسواهم.
أعمالها المنزلية تؤرقها وتلاحق أوقات راحتها، وعملها خارج البيت لتوفر ولو القليل تحت أشعة الشمس الحارقة وتحت سطوة البرد القاسي. صراخ زوجها الذي لا ينتهي وطلباته التي تضيف أثقالًا وأحمالًا على عاتقها..
إنه يسهر الليل بطوله وينام النهار كاملًا... لتتخبط هي أمام مسؤوليات لا يحتملها جسمها الضئيل، ومنزلٍ يفقد ركنه الأساسي ليتهاوى مع مرور كل عاصفة.
الأحزان تنحت على وجهها كثيرًا، أما هو مع كل عتاب يصنع مشكلة، ليرتفع صوته ويمد كلتا يديه ليتهاوى بهما على جسدها النحيل وسط صراخ أطفالها وتوسلاتهم. كم من المرات تمنت موته وكم حاولت التخلص منه دون جدوى! إنه الثقل الأكبر والحزن الأعظم.
لتظل هي في دوامة الأيام وصراع مع واجباتها وأطفالها، في حين يُغيَّب هو عقله عن مسؤولياته والتزاماته، باحثًا بطريقة خاطئة ومميتة عن السعادة.
إنها الحياة البائسة التي تهرب منها طويلًا لتجدها أمامها في نهاية كل طريق كصورة انعكاس على مرآة أو كظل رمادي يلاحقها في كل مكان.
لا يجب أن تنحني أمام العواصف، ولا أن تظهر هشاشتها، بل يجب أن تقف حتى لا يسقط آخر ما تبقى ممن يستندون عليها.. ستظل امرأة التاريخ وإن كانت مصنوعة من ورق.
احسنتي
🌸👍🏻
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.