قصة "امرأة".. قصص قصيرة

أنا مهندسة وقد عُيِّنْتُ في مكانٍ مرموق. تقدَّم لخطبتي زميل من زملائي في العمل. كان ميسور الحال ومن عائلة محترمة، وقد تم الزواج.

أغرقني بمشاعره التي لم أعرف كيف أستقبلها وأنا شخصية عقلانية ومنهجية جدًا، أما هو شخص عاطفي جدًا "لدرجة البكاء أحيانًا".

أنجبتُ رقية هي ووالدها يحبان الأحضان والحركة ويحبان التكلم ويتحركان دومًا وليسا عقلانيين! وأنا كنت أكره ذلك ثم أنجبت ريهام شخصيتها مثلي تمامًا.. عقلانية وتتحدث بحساب وأشعر معها بالارتياح.

بصراحة أعترف أني كرهتُ من داخلي شخصية رقية لكن كان عندي أمل أن تتغيَّر وتتحول لشخصية هادئة! لكن ما حدث هو أنها ظلت عشوائية فلم أتفق معها على شيء، وكنتُ دومًا أقارن بين ريهام العاقلة وبين عشوائية رقية، وبين رزانة ريهام وتهور رقية.

زوجي كان يميل إلى رقية، وكان يصفني بالجفاء العاطفي، ولاحظت مع تقدم البنات بالسن ميل رقية إلى أبيها وحضنه، وتباعدها عني، وكرهها لانتقاداتي المستمرة، أما ريهام فهي مريحة وعاقلة.

- لكن فجأة! مات زوجي في حادث مروري وكانت رقية بالإعدادية وريهام في الابتدائية. شعرتُ أن سهمًا اخترقني رحيل الزوج بالفعل عصيب. تذكرتُ جفائي معه وشعرت بحرقة قلب لكن رقية منهارة تمامًا، وأصبحت مندفعة ومتهورة وتشعر أنها بلا ضابط ولا رابط، وريهام حزينة.

فوجئت أن رقية دومًا في انعزال وتتباعد عني وعن أختها.. أصرخ في وجهها فتصرخ في وجهي!

ثم مرة هددتني أن تترك البيت واتهمتني بعدم حبي لها. وفعلًا تركت البيت! كنت كالمجنونة أبحث عنها إلى أن كلمني والد صديقتها وأخبرني بوجودها مع ابنته وزوجته.

بكيتُ بحرقة ربما أكثر من يوم وفاة زوجي! ما الذي ينفر هذه البنت مني؟ أنا محددة حازمة صارمة لكن لست طويلة اللسان، لم أضربها يومًا ما!

طلب والد صديقتها أن يراني ويتحدث معي. هو طبيب نفسي قال لي إن رقية محبة للحنان، وهي تفتقدني وتشعر بكراهيتي لها وتفضيلي لريهام عليها. قلت له "طبيعي لأن ريهام أعقل".

قال لي جملة عجيبة (رقية مختلفة عنك أحبي اختلافها) أولادنا ليس من الضروري أن يشبهونا!

(رقية مشوهة النظرة إلى نفسها وتقول إنك لا تحبينها). شعرت بالضيق الشديد وقلت للطبيب (أحبها والله لكن) قاطعني (ابنتك مختلفة الطباع عنك هذا ليس سوءًا فيها).

لم أقتنع! وعادت فأعطيتها محاضرة طويلة في الأدب وبكت كثيرًا.

لاحظت بعدها أنها أصبحت أكثر انعزالية ساكتة دومًا. تحتضن ذكريات أبيها لكن ريهام مريحة وتفهمني. مضت حياتنا أنا ورقية في صراع حتى تزوجت رقية من شخص عاطفي مثلها يقول لي "يا ماما" ودومًا يتصل ويسأل عني.

ريهام حبيبتي تزوجت بدكتور بالجامعة، وأصبحتُ وحدي وحيدة.

بعد مدة جاءني مرض السرطان. فقدتُ من الصدمة كل قدرتي على التفكير، وكان كل ما أفكر فيه هو الموت الآتي سريعًا لا محالة، ورحلة عذاب تحت اسم العلاج رحلة ألم وضعف وتحطم لكل أمل في الحياة.

ردود ريهام العقلانية "اهدأي وخليكي جامدة وعقلانية". أما رقية تبكي من أجلي وتقبل يدي وتدعو الله لي كثيرًا بالشفاء..

كان عندي موعد الطبيب، وكانت رقية تحمل ابنها الرضيع وتحضر عندي بسيارة زوجها قبل الموعد، أما ريهام فتعتذر؛ لأنها مشغولة في عملها ولا تستطيع تركه!

للمرة الأولى بحياتي وأنا مريضة بالسرطان أعرف أن العواطف لها قيمة في حياتنا.

حضن رقية يهوِّن عليَّ آلامي رغم أني لم أحب العواطف أبدًا، ولكن شعرت وأنا مريضة كأنى طفلة تحتاج إلى العواطف والطبطبة.

زوج رقية يقول لي من قلبه "سلامتك يا ماما وألف سلامة عليك"، لكن ريهام وزوجها دعمهم بحساب، أما رقية وزوجها دعمهم وعاطفتهم بلا حساب!

- بكيت من قلبي وتذكرت سابق حياتي، احتضنت رقية كم هو جميل حضنها.. بكت وبكيت.

هل في العمر متسع لأستمتع بما لم أفهمه من عواصف؟ أم أن الأجل قد فات؟ دعوت الله من قلبي "يا رب اشفني وامنحني العمر كي أسعد بنتي المختلفة عني".

وبالفعل شُفِيت والحمد لله رب العالمين.. أنا ورقية لا نفترق، أشعر أني اكتشفت كنزًا..

كلامها يؤنسني وحضنها يهدئني، لذلك لا تكرهوا اختلاف أولادكم بل أحبوا اختلافهم وتقربوا منهم، لا تشوهوا نظرتهم لأنفسهم بسبب أنهم لا يشبهونكم.

أنا ورقية برغم اختلافنا أصبحنا نقضي أسعد أيامنا وأسعد أوقتنا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة