في مثل هذَا الوقت من العام الماضِي، كنت في الإجازة الصيفية التي تسبق بدء الفصل الدراسِي للثانوية العامَّة.
كثير من أصدقائي بدأوا في الاستذكار والدراسة عدايَ أنا!
اقرأ أيضًا: «حُب مرفوض!».. قصة قصيرة
كنت غارقًا في اللهو واللعب ليس لأني لا أهتم، ولكنِّي كنت خائفًا جدًا من الوحش المسمَّى "الثانوية العامة"، كان في داخلِي يقين بأنَّني لا طاقة لِي به
لذلك قررت أن أنسحب قبل أن تبدأ المعركة حتى!
لكن فوجئت بعدها ببضعةِ أيام باتصالٍ من صديقِ لي يخبرني أنَّ الدروس الخصوصية قد بدأت وأنَّه يجب علي البدء قبل فوات الأوان!
ترددت بعض الشيء في إخباره بما قد عزمت عليه وأنني لا أهتم من الأساس!
كنت محبطًا جدًّا لكن حديثه معي والحماس الذي كان يملؤه جعلني أغير رأيي وأخبرته أنني سألتحق معه بالدروس.
ذهبت بعدها لوالدي أخبره بأنني سأبدأ الدروس الخصوصية الأسبوع المقبل، ولكننِّي صدمت برفضه القاطع!!
أخبرنِي بأنني فاشل وأن الدروس لن تفيدني لأنني في كل الأحوال سوف أرسب ولن أحقق شيئًا.
في الحقيقة على الرغم من علمي بمدى تساهلي واستهتاري في الدراسة فإن كلام أبي آلمني كثيرًا.
كان هذا الكلام على مرأى ومسمعٍ من أمي لذلك حاولت أمي إقناع أبي بالعدول عن رأيه ونجحت في إقناعه، فوافق أبي في النهاية على شرط أنه سيجعلني ألتحق فقط ببعض الدروس العلمية.
لم أهتم بذلك وحمدت الله عز وجل أنه قد وافق، وذهبت لإخبار صديقي بأنني سألتحق معه بدروس المواد العلمية فقط، ورغم تعجبه أنني لن ألتحق بالدروس الأخرى فإنني تعللت وقتها بأنني جيد في تلك الدروس ولا حاجة لي بها.
وبدأت الدراسة وبدأت أنا شيئًا فشيئًا أحاول أن أستذكر قليلًا وأدرس،
وبعد مرور شهر تقريبًا أعلن معلمي أنه سيضع اختبارًا، ومن يحصل على الدرجة النهائية به سيحصل على جائزة مالية كبيرة.
كان هذا حافزًا كبيرًا لي لأنني في الحقيقة كنت في أمس الحاجة لذلك المبلغ لشراء بعض الكتب التي تنقصني والالتحاق بالدروس الخصوصية الأخرى، لذلك درست جديًّا هذه المرة والتزمت في الدراسة.
وجاء يوم الاختبار، وكان سهلًا لي، ولكنني للأسف أخطأت في سؤالين وهذا جعلني لا أحصل على الدرجة النهائية، كان هذا مخيبًا جدًا للآمال لكنني لم أستسلم وقررت أن أعوض هذه الخسارة في الاختبار القادم.
سارت الأمور على ما يرام ولله الحمد وبدأت أدرس جيدًا على الرغم من سوء فهمي واستيعابي للمنهج والدروس!
أعلن المعلم مرةً أخرى عن امتحانٍ آخر ولكن هذه المرة دون جائزة!
في الحقيقة كنت أود جدًا هذه المرة أن أحصل على الدرجة النهائية بغض النظر عن وجود جائزة أم لا.
لذلك اجتهدت أكثر من السابق ودرست أكثر وتقدمت للاختبار، لأفاجأ بعدها بالنتيجة، كانت سيئة للغاية، كانت أسوأ نتيجة حصلت عليها على مدى سنوات دراستي.
وما جعلني أحبط أكثر أن بعض أصدقائي حصلوا على درجات مرتفعة،
أخذت أبكي بطريقة هستيرية وقتها، أذكر أنني من فرط خيبة الأمل بكيت بالشارع!!
كان بكائي وقتها لأنني آمنت بأنني فاشل وأنني مهما فعلت فلن أنجح، وكانت درجة الاختبار هذه أكبر دليل على ذلك.
عدت مرة أخرى لنقطة الصفر تركت الدراسة ولم أعد أهتم بالدروس، لكن تصادف في تلك الأثناء أنني التقيت زميلًا لي وكان متفوقًا للغاية، سألته عن درجته في ذلك الاختبار فأجابني بأنه حصل على الدرجة نفسها التي حصلت عليها!!
ولكنني لاحظت أن الأمر عاديٌ له، فسألته ألا بأس معك بهذه الدرجة؟ أجابني بأنه مادام أن هذا ليس امتحان آخر العام فهذا ليس مهمًّا، وأن هذا الاختبار تقييم للمستوى لترى نقاط ضعفك وتحدد مستواك فقط لا غير.
كان هذا لي كالمواساة وكان كلامه حقيقيًّا للغاية.
يجب علي أن أركز على تحسين مستواي أكثر فأكثر وهذه الدرجات سأجعلها تقييمًا لمستواي فقط لا غير.
بدأت من جديد بدرجة أكثر حماسًا من ذي قبل، وبدأ مستواي يتحسن ولله الحمد شيئًا فشيئًا، قبل الامتحانات بأربعة أشهر تقريبًا.
واجهتني أنا وعائلتي كارثةٌ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لدرجة أنني حاولت الانتحار بسببها، ولكن لطف الله عز وجل أنقذني من الموت!
انقطعت عن الدروس لم أعد أذهب إليها، لازمت السرير أسبوعًا لا أستطيع من فرط الألم أن أقوم بأي شيء.
دعوت الله كثيرًا من كل قلبي أن تحل هذه الأزمة وأن تعود الأمور كما كانت عليه، ولله الحمد حلت الأزمة وعاد الوضع كما كان عليه.
صحيح أنه فات كثير من الوقت وتراكمت علي كثير وكثير من الدروس، ولكنني استعنت بالله تعالى وأكملت دراستي.
لم أستطع أن أعود مرة أخرى للدروس الخصوصية نظرًا للظروف التي لحقت بعائلتي بعد هذه المشكلة، لكن كان يجب علي أن أكمل حتى لا يضيع كل تعبي ويصبح هباءًا منثورًا.
بقي شهران على بدء الامتحانات، وكانت هذه أسوأ مرحلة في حياتي كلها، كنت أبكي فيها كثيرًا لدرجة أن عينيَّ جفتا من الدموع من فرط خوفي وعجزي عن استيعاب بعض الدروس والمواد العلمية، كنت أدرس بعين وأبكي بعين!
بذلت كل طاقتي في ذلك الوقت، صببت كل تركيزي على دراستي، اجتهدت أضعاف المرات السابقة حتى اقترب وقت امتحانات نهاية العام.
كنت متوترًا جدًا لدرجة أن يديَّ كانتا ترتجفان، لم أستطع حتى إن أمسك بالقلم، هاجمتني الأفكار السلبية التي كنت أحاول قمعها باستمرار، دعوت الله كثيرًا أن يخفف عني وأن يذهب خوفي وقلقي.
وبدأت الامتحانات والخوف يدق قلبي حتى جاء موعد الامتحان الأول، دخلت الامتحان ولله الحمد استطعت اجتيازه جيدًا، وهذا دفعني لأن أكمل الباقي بحماس أكثر.
تخطيت باقي الامتحانات على الرغم من مدى صعوبة وتعجيز أسئلتها بفضل من الله عز وجل وتوفيقٍ منه، ظهرت النتائج بعدها ولله الحمد، حصلت على معدل 92%.
صحيح أنني كنت أحلم بكلية الطب البشري ولكن معدل قبولها كان من 93%، الرضا الذي منحني إياه الله عز وجل بعد علمي أنني لم أستطع الالتحاق بالطب البشري مع الفارق البسيط بينها وبين المعدل الذي حصلت عليه كان كافيًا.
قُبلت ولله الحمد حتى يبلغ الحمد منتهاه بكلية الصيدلة أحد أجمل وأعظم التخصصات الطبية أيضًا.
إنَّ نظرة الفخر في عيني والدي وابتسامتهما كانت كافية لي عن أي شيءٍ آخر.
أردت فقط أن تكون هذه الكلمات القليلة مواساة لأولئك الذين لا يؤمنون بأنفسهم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.