في آخر يوم دراسي لنا. سألتنا معلمة الصف السادس: أهنئكم بمناسبة النجاح للصف السابع. وبما أنها سنتكم الأخيرة معًا، فما المهن التي ترغبون بمزاولتها؟ وهل سعيتم منذ الآن لتحقيقها! تنوَّعت الإجابات. حتى جاء دورنا وأجبنا بصوت واحد: لورا تعزف على الكمان أروع الألحان، وتيا تكتب أجمل الكلمات، وليا تعزف على البيانو لتبدع قمر بصوتها الملائكي. وكل صيف نشارك بمسابقات أفضل الموسيقيين.
ابتسمت المعلمة لهذه الأحلام الجميلة. وقالت: أتمنى أن يحقق الكل أحلامه. استمتعوا بعطلة الصيف يا أحبائي.
خرجنا بكل سعادة. كنا ندندن سوية كعادتنا. قلت: أتعرفن سيكون من الرائع أن تكون لنا فرقة خاصة بنا عندما نكبر.. أليس كذلك؟
قــالت لورا: طبعًا. سأعزف على الكمان أجمل الألحان برفقة أعز الأصدقاء لآخر يوم من عمري.
ابتسمت قمر بلطف: وأنا سأغني. ولن أغني إلا كلمات الشاعرة المبدعة تيا وسترافقني الألحان الساحرة للعازفتين الرائعتين لورا وليا.
شبَّكت ليا أصابعها وقالت بعينين حالمتين: أحلم باليوم الذي نقف فيه على مسرح كبير. ويهتف الجمهور: Pink Stars Goo. وتنادينا الجماهير:ليا. لورا. تيا. قمر. ونسمع أسماءنا تصدح في كل مكان.
قلت بمرح: ياه. حلمكِ هو حلمي نفسه يا أختي.
ضحكت لورا: هذا طبيعي فأنتما توأمان. حسنًا يا بنات. ليا وأنا سنذهب للمعهد الموسيقي. أترغبن بالمجيء؟
ردت تيا: لا. سأذهب للمكتبة لأعيد الكتب وأستعير غيرها.
سألت ليا: قمر. ما الحكاية؟ هل حدث شيء؟
ردت قمر: لا. لكن سأذهب الآن للبيت ونلتقي غدًا في الحديقة عند العاشرة كعادتنا.
سألت لورا: سيسأل الأستاذ عنكِ. فما نقول؟ لقد فوَّتِّ أربعة دروس إلى الآن.
فكرت قمر: قولي له إني مسافرة للشاطئ. وسأعود الأسبوع المقبل. اتفقنا؟
سمعت قمر صوتًا من خلفها يقول: لكن يا آنسة أنا أراكِ هنا. فأين تودين السفر؟
ضحكت قمر: أستاذ. كم أشتاق لدروسكَ. كنت أنبه لورا وليا على أهمية حضور الدروس، وعدم الكذب أو التهرب من الحضور.
ضحك الأستاذ: كم أنتِ محتالة؟ قد تكونين المميزة يا قمر، والمغنية الرئيسة التي أختارها كل مرة، وأعشق صوتها. لكن ما لم تمرِّني صوتكِ كما ينبغي، سيتراجع مستواكِ. بالمناسبة هل كتبتِ شيئًا جديداً تيا؟
ضحكت تيا: ليس بعد، ما زلت أفكر.
ابتسم الأستاذ: من الأفضل أن تُسرعي؛ كي تستطيعي المشاركة باختبار الأداء للفرق الناشئة. ثم نظر بسرعة: وأنتن الثلاثة. هيا أمامي.
ودَّعت الفتيات بعضهن. وما إن عدن لمنازلهن حتى بدأ الأهل بتقديم الهدايا لبناتهن. وكل منهم جهَّز لهن هدايا مختلفة لتفوقهن. فهدية قمر كانت فستانًا بنفسجيًّا. وكانت هديتي مجموعة أشعار. وليا نوتة موسيقية بها أشهر المقطوعات العالمية والألحان العربية. وأما لورا فكانت مختلفة تمامًا عما تصورته فهي حلمت بكمان جديد. لكن فاجأها والداها بأنهم مسافرون لبريطانيا بعد أيام قليلة. صُدمت لورا لهذا القرار ولم تشأ ترك وطنها.
لكن لا يمكنها البقاء وحيدة. فهمت أن حلمها تدمَّر. لن توجد فرقة اسمها Pink Stars goo. فحلمهن انتهى قبل أن يبدأ.
ذهبت لغرفتها محتارة كيف تعلمنا؟ إلى أن قررت أن تعزف وترافقنا على الكمان للمرة الأخيرة.
وعند المساء جلست تيا وكتبت أغنية جديدة وجميلة عن طائر دوري صغير. ثم أرسلتها بالهاتف لأستاذ الموسيقى كي يلحنها وتدربن عليها.
في اليوم التالي تلاقت الفتيات. كانت لورا تخفي في قلبها حزنًا كبيرًا؛ فهي ستفارق صديقاتها المفضلات وسيندثر حلمها قريبًا. ورسمت على وجهها ابتسامة فاترة. قصدن المعهد الموسيقي. وبدأن بالتمرن على الأغنية الجديدة. كن يبقين من الصباح حتى المساء وقد أجدنها تمامًا. لكن كانت لورا على غير عادتها. ترتكب الأخطاء. وأحيانًا تتمرن مدة أطول. مضى أسبوع على هذا وكلهن تقدمن إلا لورا كانت أخطاؤها كثيرة، فتارة تسبق الأخريات وتارة تتأخر عنهن. وفي المرة الأخيرة انقطع وتر الكمان. فتوقفن لسماع أستاذهن يصرخ غاضبًا للمرة الأولى: هذا يكفي. لورا أنتِ ترتكبين الأخطاء نفسها كل يوم. ما بكِ قولي؟ لقد تراجع مستواكِ كثيرًا. وبصراحة لا أستطيع ترككِ تشاركين بالمسابقة مع صديقاتكِ. سيشارك غيركِ على الكمان.
انهمرت الدموع من عيني لورا. وصاحت: أرجوكَ لا. إلا هذا. الكمان قديم وباتت أوتاره مهترئة. أعدكَ ألا أرتكب خطأ واحدًا مجددًا.
تنهد الأستاذ: حسنًا. أمسكي هذا كماني، وهو جديد كما تعلمين. اعزفي لي لحن الموسيقى، مقطوعة أشيائي المفضلة.
بدأت لورا بالعزف. لكنها كانت تخطئ عدة مرات. فقد كانت هذه الأغنية المفضلة لديها؛ لأنها الأولى مع صديقاتها وبعدها قررن إنشاء فرقتهن.
زفر الأستاذ: أرأيتِ؟ يوجد ما يشغل بالكِ يا آنسة. وهذا يشتتكِ فلا تتقنين المعزوفة جيدًا. اعذريني لورا. سأستبدلكِ؛ فأنتِ تضيعين فرصة صديقاتكِ بالنجاح.
انهارت لورا باكية وركضت الفتيات نحوها يسألنها: ما الأمر؟
أجابت بصوت يتخلله البكاء: سنسافر. لن أكون هنا مرة أخرى. هذه المرة الأخيرة لي معكن. أرجوكن لا تستبدلنني.
انحنى الأستاذ ووضع يده على كتف لورا قائلًا: إذن. لا تدعي أحزانكِ تدمر فرقتكِ. اتركي ذكرى سعيدة لهن. اعزفي إكرامًا لهن. ليذكرنكِ أنكِ كنتِ سبب فوزهن بجائزة المسابقة. اجعليها هدية وداع لهن. لورا سأمنحكِ فرصة أخيرة إن أتقنتِ المعزوفة حتى الغد ستشاركين وإلا سأستبدلكِ. فابذلي جهدكِ.
نظرت لورا ممتنة للأستاذ. وقالت: شكرًا جزيلًا أستاذ.
سألت قمر: أخبرينا لورا. ما القصة؟
أحنت لورا رأسها بحزن: سيندثر حلمنا يا بنات. فنحن سنسافر بعد عشرة أيام من الآن.
صِحن متفاجآت: ما الذي تقولينه؟ ماذا عن وعدنا؟ لن نسمح لكِ بالذهاب.
رفعت لورا رأسها باكية: وأنا أيضًا لا أريد هذا. لم أشأ إخباركن. ولا أريدكن أن تتعلقن بحلم يستحيل تحقيقه. وفراقكن صعب عليَّ فنحن معًا مذ كنا صغارًا. سامحنني... فعمل بابا يتطلب منه السفر.
نظرنا لبعضنا ونحن نشعر أن حلمنا بات بعيد المنال. لكن ليا صاحت بجدية: لا تبكين هكذا. لن نودِّع صديقتنا بالدموع والحزن. اسمعن كلامي جيدًا وتذكَّرنه دائمًا. سيبقى وعدنا كما هو ولن يتغير. تيا ستكتب أجمل الكلمات، وأنا سأعزف على البيانو، وتطربنا قمر بصوتها الملائكي، وأنتِ ستعزفين على الكمان. لورا سننتظركِ حتى نفي بوعدنا لبعض. تمرَّني جيدًا. وشاركي بمسابقات الموسيقيين دائمًا مثلما نفعل دائمًا. وأنا وتيا وقمر سنتمرن ونشارك بالمسابقات.
ابتسمتُ: ليا محقة. تمرَّني ليغدو حلمنا حقيقة. ليس وداعًا يا صديقاتي بل إلى اللقاء.
انهمرت دموعنا. وقالت ليا: الفراق مؤلم لكن ستتعلمين أشياء جديدة وتعلمينـا إياها عند لقائنا. ونحن سنفعل الشيء ذاته.
لمعت فكرة برأس قمر: اسمعن. حلمنا أفضل فرقة موسيقية صح؟ فلنبحث معًا عن أفضل الموسيقيين والموسيقيات. وكل شيء يجعلها ممتازة.
مسحنا دموعنا وقالت لورا: أجل. فلنبحث عن التميز والسمو لفرقة Pink Stars goo. تذكَّرن هذا ليس وداعًا بل تطوير الفرقة.
ضممنا بعضنا، وتعاهدنا على الفوز بالمسابقة، وبتنا نعد الفوز الخطوة الأولية لتحقيق الحلم الكبير.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.