لم تكن قمر تظهر حزنها وألمها أمامنا، لكن كنا نلاحظ أحيانًا ألمًا يرتسم على وجهها عند نهاية التدريب، لكنها سرعان ما تخفيه، ومهما سألنا لم تكن تجيب وتخفي علينا سرًا لم نكن لنتوقع ما هو، كنا نظن أنها متعبة من التدريب، أو من مضايقات نوار لها كلما كانت تزورنا.
لم تكن قمر تجرؤ على إخبارنا بأنها تكاد تتوقف عن الغناء بسبب الآلام المبرحة التي تصيبها في أثناء تدريبها معنا، ففي قلبها أمنية واحدة هي الأغنية الأخيرة مع فرقتها، وستتوقف نهائيًا عن الغناء، فقد اكتفت من الآلام، لكن كل هذا انهار لحظة دخولها المنزل، وسماعها خلسة حديث أخيها نوار بخصوصها:
-أمي، جدتي، لم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة أكثر، يجب أن تقنعن قمر بالتوقف عن الغناء نهائيًّا، إنها مصابة بسرطان الحنجرة، ويوجد طريقتان لإنقاذها، وهي التوقف نهائيًّا عن الغناء ومتابعة رحلة علاج طويلة في المشفى، أو إن ساءت حالتها سنلجأ إلى إجراء عملية لاستئصال الورم، لكن..
ردَّت الأم فزعة:
-لكن ماذا هل ستموت صغيرتي قمر؟
أحنى نوار رأسه بألم:
-لا، ستفقد قدرتها على النطق إن استمرت هكذا.. لكن لحسن الحظ لا تزال الأمور ببدايتها، وأعتقد أنها لا تشعر بالألم إلا عندما تغني، وإن استمرت فذلك يؤذيها ويسرع نهايتها لذا يجب عليها نسيان الغناء نهائيًّا، وإجراء العلاج اللازم لتستطيع البقاء على قيد الحياة.
وضعت الجدة يدها على فمها:
-لا أصدق، قمر تعشق الغناء، وتعيش لأجل أن تغني، أوه لا، كيف لنا أن نقول لها شيئًا كهذا؟ لمَ أخفيت الحقيقة عنا يا نوار؟ ربما كان يمكن فعل شيء..
هزَّ نوار رأسه:
-لم أقصد إخفاء شيء عنكما، قال لي الطبيب المشرف عليها أننا قد لا نلجأ إلى هذا الحل الصعب إن تركت قمر الغناء، لكن العنيدة كانت تشارك خفية بالمسابقات الغنائية ولا تصغي إليَّ، ومهما لاحقتها من مسابقة لأخرى لم أكن أفلح بإبعادها، فهي تشارك بأسماء وهمية، وعند التسجيل بالمسابقات للمرة الأولى لا يتم التحقق من الهويات، يمكن ترك رقم الجوال للتواصل وهي كانت تعطي رقمًا خاطئًا.
قمر لم تترك طريقة لأجدها في أي مسابقة رغم أني أعرف أنها تشارك بكل مسابقة غنائية، لكنها تنكر كل مرة كيلا نتشاجر، كل يوم كنت آمل إيجاد دواء فعال يعيد لها رونق حياتها الطبيعية، لكن لعبة القط والفأرة لم تعد تجدي، الوقت ينفذ منا، أرجوكما عليها أن تعلم كل شيء الآن، وأن عليها الالتزام بعلاج لإنقاذ حياتها، الأمر لم يعد يحتمل الإخفاء.
وفجأة دخلت قمر تبكي بألم:
-لقد باتت الصورة جلية يا نوار، هل فهمت لمَ أشعر بألم حاد كلما غنيت؟ لكن لا، لن أجري تلك العملية السخيفة، ملأت الدموع وجهها وأردفت بألم: سنلتقي بلورا قريبًا ونغني كما في طفولتنا، أتذكر فرقتنا Pink Stars Goo ؟ الفرقة التي هجرتها، وقلت إنها تافهة وتعيق تقدمكَ وتطورك الفني، لقد عادت قوية بعد أن لعنتها لأنها تفوقت على Thunders، لقد زالت لعنتك عنها وعدنا، سنغني لن أسمح لشيء تافه بإنهاء حلمنا، لا لن أ..
صفعها نوار والدمع يتلألأ في مقلتيه:
-أيتها الغبية المجنونة، عمَّ تتحدثين؟ لعنة غناء، من يهتم بكل هذا الهراء الآن؟ افهمي حياتكَ ستنتهي، حياتك بخطر إن لم تصغي إليَّ، ستموتين إن غنيتِ مجددًا، ما تريدين قولي؟ أي شيء سأفعله، اعترافي بأنكِ أفضل مني، حسنًا صوتكِ هو صوت ملاك حقيقي، وصدقًا لا أكذب، لم أستطع طيلة حياتي الغناء بإحساس نقي ومشاعر دافئة مثلكِ، وإن كان يرضيكِ، أعدكِ لن أغني أنا أيضًا، سأعتزل الغناء من أجلكِ، فقط قولي أنكِ ستتلقين العلاج، يكفي لا تقتلي نفسكِ من أجل الغناء، إن الأمر لا يستحق صدقيني.
اقترب نوار من قمر وضمها ماسحًا شعرها:
-أرجوكِ لا تبكي يا حلوتي هذا يؤلمني، ستتجاوزين هذا وأعدكِ أن أعتزل الغناء مثلكِ، إن لم تغني أنتِ أنا أيضًا لن أغني، توقفي عن الغناء ودعينا نحاول علاجكِ، فهكذا لن تفقدي قدرتكِ على النطق، أرجوكِ فكري.
انتفضت قمر باكية وجرت لغرفتها، لم تؤلمها صفعة شقيقها، ما ألمها حقيقة خسارة صوتها وعدم مقدرتها على الغناء مع صديقاتها كما حلمت، حقًا نوار لا يفهم ولا يشعر بها؛ فهي تحاملت على آلامها، وأخفتها عن أعين الجميع ببراعة.
كان قلبها محطمًا ودموعها لا تتوقف، لكن لن تخبر صديقاتها فهن سيتألمن مثلها، وعند المساء كانت قمر قد حسمت أمرها، وقررت ما يجب أن تفعله.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.