وقفت ساندي مع مجموعة من رفيقاتها الَّتي تطلق عليهم "وصيفاتها"، تتمایل بخيلاء وكأنّ الأرض لم تنجب جميلة غيرها هاتفة بغرور:
أقسم أنّني سأريكم ماذا سأفعل بتلك الَّتي تُسمى زينب سأجعلها تندم أشدّ أنواع النّدم، لن يرتاح قلبي إلّا وهي مشرّدة بين الجميع في الجامعة ستكون عبرة لكل من تسوِّل له نفسه الوقوف أمامي.
أطلقت إحدى المتابعات لها من مجموعتها الفاسدة ضحكة تحمل الكثير من الاستهزاء، وقالت بلؤم حاولت إخفاءه ولكن الأخرى شعرت به:
لا أنصحك بأن تحاولي أن تجعليني أذكّرك ماذا فعلت بكِ المرة الأخيرة ساندي.
غضبت "ساندي" واحمر وجهها غيظاً ثمّ أجابتها بصفعة قويّة جعلتها تتأوّه من شدّة الألم.
هتفت "ساندي" بانتصار وهي تتلذًذ بقوتها:
هذا الكفّ القويّ بمثابة تذكير لك بألّا تحاولي تخطّي حدودك معي مرّة أخرى أنا سيدتك فلا تنسي كيف تعاملين أسيادك يا هذه.
تسارعت دقات قلب الأخرى وتدفّق الدّم في عروقها برعب ثمّ قالت برجاء يكاد يصل للذل:
أنا آسفة يا ساندي لا تحزني... أرجوكِ أن تسامحيني أقسم لك أنّها لن تتكرّر أبداً...
رفعت ساندي رأسها بشموخ وهي تصيح بكبرياء:
أنا أحب كثيراً أن يعرف كل شخص مقامه إنّها لعبتي المفضلة.
سأريكم جميعاً ماذا سأفعل بتلك الحشرة الَّتي تُدعى "زينب".
ما هي إلًا لحظات قليلة حتَّى جاءت الفتاة الَّتي يدور حولها ذلك الحديث الغامض، فتاة بسيطة رقيقة تلتزم بحجابها ودينها، يبدو على وجهها علامات الصّلاح والتديّن، تحتضن كتبها برفق تمشي على استحياء تمرّ من أمامهم ملقية عليهم تحيّة الإسلام رغم عدم ردّهم المعتاد واستهزائهم بطريقة التحيّة الخاصّة بها ''البلدي'' على حدّ قولهم وتفكيرهم الغبيّ.
تعمّدت ساندي إيقاع حقيبتها أرضاً ثمّ هتفت بصوتٍ عالٍ محملٍ بالغرور ظهرت فيه لهجة الأمر بوضوح:
أنتِ يا من تدّعين "زينب" أو هل تفضلين أن أطلق عليكِ "الحشرة" أفضل؟
تنهّدت "زينب" بغيظ تحاول أن تحافظ على هدوء أعصابها ومضت في طريقها دون أن تلتفت لذلك الصوت المتعجرف.
تقدّمت فتاة من التابعات لتقف أمام زينب قائلة بنبرة ساخرة:
إنّ سيدتكِ تتحدّث معكِ أيتها الغبيّة تحلي بالاحترام وانحني من أجلها خاضعة.
نظرت لها زينب شذراً، وقالت بداخلها بهدوء "والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس".
ظلّت تكرّرها بداخلها حتَّى قطع هدوئها هذا صوت الفتاة وهي توبّخها بعنف تقدّمت "ساندي" إليها قائلة:
حذائي قد اتّسخ وأريد من شخصٍ وضيع مثلكِ أن ينحني لينظّفه بمنتهى الإخلاص.
أرسلت "زينب" إليها نظرة دونيّة من الأعلى إلى الأسفل ثمّ هتفت بثقة:
من هم مثلي يتسخون إن لامسوكِ أو تحدّثوا إليكِ!
اشتعل وجه "ساندي" بحمرة الغضب، وهاجت أمواجها وعصفت الرّياح بعقلها فرفعت يدها عالياً لتضرب "زينب" صفعة فأمسكت الأخيرة يدها دافعة إياها للخلف وهي تقول:
أنتِ الَّتي ينطبق عليها قول الله عزّ وجلّ "ويلٌ للقاسية قلوبهم" إنكِ فظّة وغليظة القلب حسبنا الله فيكِ...!
غادرت "زينب" بعد أن انتهت من حديثها لتترك "ساندي" لشياطينها تتراقص بعقلها من شدّة الغضب وتسارعت الأفكار الانتقامية السوداء إليها واحدة تلو الأخرى حتَّى اهتدت إلى واحدة ظنتها الأكثر شراً وانتقاماً.
ظهرت ابتسامة خبيثة على فمها عندما رأتها التابعات تأكدوا أنّ زينب ستكون في عداد الأموات فويل لمن تظهر له تلك الابتسامة الشريرة الَّتي تتبعها خطّة انتقاميّة تدمّر صاحبها ذهبت ساندي والتابعات إلى مكانهن المفضل عندما تكون خطة الانتقام من شخص ما جاهزة للتنفيذ.
راحت "ساندي" توزّع الأدوار على كل واحدة فاتفقوا على أنّ واحدة منهن ستلهي "زينب" والأخرى تحاول سرقة هاتفها منها.
خرجت "زينب" من المحاضرة فوجدت صديقات "ساندي" على بعد خطوات منها ويبدو عليهن أنهن في انتظارها تعجّبت، ولكنها أكملت طريقها متجاهلة إيّاهنّ، أوقفتها الفتا بندائها على اسمها بترجّي قائلة:
زينب انتظري أتينا كي نعتذر لكِ ونساعدكِ...!
وقفت "زينب" مبتسمة بودّ وهي تقول:
لا عليكما لم يحدث شيء هام لقد نسيت الأمر برمّته إنّني أدعو أن يهديها الله.
غمزت الفتاة الأخرى بإشارة لم تلاحظها "زينب" فاقتربت الأخيرة من "زينب" وهي تدّعي البكاء لتحتضن "زينب" قائلة بصوتٍ باكٍ كاذب:
لو تعلمين ما تحيكه لكِ "ساندي" لمات قلبك من فرط الرعب والفزع أتينا إليكِ كي نحذّركِ ونوصيكِ بأن تأخذي احتياطاتك منها ومن شرّها الوشيك.
اندفعت الأخرى لتحتضن "زينب" أيضاً لتشويشها كي لا تلاحظ أنهم يدسّون أيديهم بداخل حقيبتها لسرقة الهاتف ووضعه بسرعة في حقيبة إحداهن، عندما نجحت مهمتهن سارعوا بتركها بطريقة جعلتها تتعجب، ولكنها أدركت أنها تأخرت على العودة إلى منزلها أسرعت للحاق بالحافلة المتّجهة للمنطقة البسيطة الَّتي تقطن بها.
تراقصت الأفراح بعيون "ساندي"، وهي تمسك الهاتف قائلة باحتقار:
ما هذا الهاتف الحقير يبدو أنه لا يعمل بالإنترنت إلا بصعوبة بالغة، قد وضعت عليه تلك البغيضة الفقيرة كلمة سرّ أيضًا ماذا سيكون بداخله ذاك الَّذي يبدو كقطعة الحديد الصدئة.
أرسلت الهاتف لشخص تعرفه ليزيل كلمه السرّ الخاص به ليكون لها حرية التصرف والبحث في أسرار صاحبته الخاصة.
نجح في إزالة كلمة السرّ، فتشت به فوجدت بعض الصور العائلية لها مع أبويها وأخواتها، وأيضًا بعض صور شخصيّة بملابس البيت المحتشمة، ولكنها بالطبع بالنسبة لفتاة مثل زينب ليست عاديّة.
لكنها لم تجد أي حساب لها على مواقع التواصل الاجتماعيّ فصنعت حسابًا لها على الواتساب، وأرسلت لنفسها صوراً لزينب من هاتفها الَّذي سرقته مع بعض الكلمات النابية المفتقرة للحياء...!
في اليوم التالي، أرسلت نفس الفتيات إلى "زينب" لإحضارها أمام ساندي ذهبت معهن غافلة لا تفهم ما يحدث وهم يسحبنها بسرعة كأنّ مصيبة حدثت، تضايقت كثيراً عندما وجدت نفسها أمام ساندي المغرورة الَّتي تضع قدمها على الأخرى هاتفة بانتصار:
ذاك الحذاء الَّذي رفضتي أن تنظفيه أمس، حتَّى لو انحنيتِ لتقبليه غدًا أمام الجامعة بأكملها فلن يكفيني كي أعفو عنك.
أدارت زينب عينيها بنفاذ صبر يخرج من صدرها زفير مختنق، حقاً لم تعد قادرة على الصبر وتحمل تلك المتعجرفة ساندي، ولكنها اختارت مغادرة المكان دون أن ترد عليها.. أمسكت بها تابعات ساندي محيطين إياها بتحدٍّ فهتفت الأخرى بغرور:
أنظري ماذا وجدت على هاتفي مرسلاً لي من رقم هاتفك، ظهر لي أنك خبيثة جداً، لكنك تُظهرين الاحترام الكاذب أمام النّاس وأنا سأعمل على فضحك وإظهار حقيقتك.
انتبهت حواس زينب لتلك الكلمات المؤذية فاقتربت بسرعة منها واختطفت هاتف الأخيرة بقوّة لتشاهد ما تتحدّث عنه لتفهم ما يحدث، فوجدت أنه بالفعل رقم هاتفها وصورها، والكلمات المرفقة بالصور أشعلت نيران الغضب برأسها فصرخت برعب:
ما هذا إنها أنتِ من قام بسرقة هاتفي واختلقتِ كل تلك الأكاذيب أيّتها السّارقة الجبانة أقسم أنكِ لا تعرفين شيئاً عن اللّه وعن الحلال والحرام، كيف لكِ أن تكوني مسلمة كيف؟!
نهضت ساندي وضحكتها تصل عنان السماء، وشماتة قلبها شديدة، وأخيراً شعرت بأنها انتصرت على غريمتها الَّتي لم تكن تخضع لها مثل الآخرين، وتقدّم لها فروض الولاء والطاعة مثل الأخريات، وكيف ذلك وهي ابنة الرجل المرموق مكانة ومالًا وله وساطات قويّة لم تعتاد على مقابلة أشباه زينب المعتزين بذاتهم وكبريائهم كبير رغم تواضع ظروفهم الماديّة وبساطة ملابسهم، ورغم ذلك تمتلك زينب كبرياء وهيبة وكرامة لم تكن تعرف ساندي مصدرها.
صوت زينب الغاضب على سمعتها وسمعة أهلها الَّتي ستلطخها تلك القذرة لمجرّد انتقامٍ أعمى وصل إلى ساندي فأغضبها كثيراً وهتفت بتهديد:
اخفضي صوتكِ أنا من في موضع القوّة أنا أقوم بالأمر وعليكِ التنفيذ فقط، وإلّا سأقوم بإرسال كل صوركِ إلى كل أفراد الجامعة وسأقوم بفضحكِ فضيحة لن تستطيعي أن ترفعي رأسكِ أمام أحد مرّة أخرى.
تأرجحت العبرات في المقلتين البريئتين تأبى الهبوط وتأبى أن تعود من حيث انطلقت، لكنها بالنهاية هبطت باستسلام وقهر...!
تشبعت روح ساندي بإحساس انتصار عظيم، وهي تشاهد زينب تذرف دمعاً بحرقة فهتفت بهمس كفحيح الثعابين:
حذائي في الانتظار وصبري ينفذ سريعًا، وهذا كله ضد مصلحتكِ.
شعرت زينب وكأن الدنيا تدور بها ولكنها في النهاية استسلمت وانحنت بذل وعندما اقترب فمها من حذاء المتعجرفة ساندي لم تشعر بنفسها إلّا وهي طريحة الأرض مغشياً عليها تركتها وغادرت المكان لم تكلّف واحدة منهن نفسها محاولة إفاقة تلك المسكينة الوحيدة في ذلك المكان المخصص للأفعى وصُحْبَتِهَا المؤذية...!!
لم تشعر زينب بالوقت الَّذي مضى، وهي بتلك الحالة حتَّى فتحت عينيها ونهضت تهندم ثيابها بانكسار سيقف قلبها إن ظلّت على تلك الحالة كثيرًا.. في تلك اللحظة تذكرت الآية الكريمة: "ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب".
ظلّت تناجي ربها وتستغفر كثيراً طوال طريقها إلى البيت بالحافلة، وصلت ساندي بيتها متأخراً بعد احتفال أقامته مع تابعاتها بمناسبة إخضاع زينب لها بتلك الطريقة الَّتي انتشت من فرحتها عندما نجحت بها..
بدّلت ثيابها وذهبت إلى سريرها وتمدّدت غير عابئة بذلك القلب المسكين الَّذي فطرته ودمّرت شعوره بالراحة والأمان، وبعد أن ذهبت في نومٍ عميقٍ شعرت بشيء غامض يقترب من سريرها يرتدي على وجهه قناع على هيئة رأس خنزير.. فتحت ساندي عينيها ببطء عندما شعرت بصوت حركات غير عاديّة بجوارها.. تشرب وجهها وعقلها بالرعب عندما شاهدت ذلك المنظر أمامها، لكنها لم تكد تفتح فمها لتبدأ بالصراخ.. حتَّى باغتها ذلك الشيء بوضع قماشة سوداء على وجهها ويبدو أنها مبللة بمخدرٍ أو منومٍ فغابت عن الوعي تمامًا.
بعد مرور فترة زمنيّة تقرب للسّاعتين فتحت "ساندي" عينيها ببطء.. تشعر وكأن ثقل العالم بأكمله فوق يديها وقدميها وغير قادرة على تحريك لسانها للنطق بأي حرف.
ظلّت تفتح وتغلق عينيها بسرعة حتَّى استطاعت أن ترى المكان أمامها بوضوح.. غرفة كبيرة واسعة رائحتها كريهة للغاية مظلمة إلا من نور خافت يبعث الرعب في النفوس.. غير قادرة على تحريك رقبتها تشعر بألمٍ رهيبٍ في فمها يكاد ينفجر غير قادرة على تحرير نفسها أو حتَّى الحركة أو الكلام.. فجأة أُضيء التلفاز القديم أمامها وصدر منه صوت آلي ومشهد لرجل وجهه ملطخ كالمهرج ولكن منظره مرعب حقًا، هتف بثقة بصوت غليظ آلي:
مرحباً ساندي أود أن ألعب لعبة...
بعض النّاس اعتادوا على أذيّة غيرهم والتلاعب بمشاعرهم لمجرّد إثبات أنهم يملكون أمرهم ولهم الأفضليّة عليهم وأنتِ تجبرّتِ كثيراً.. في الحقيقة إنني أشاهدك منذ فترة آنسة ساندي وعيني تراقبك عن قرب وأصبحت على يقين تامٍ أنكِ لن تتغيري أبداً وتستحقين ما سيحدث لك الآن.
آنسة ساندي يلتف حوّل رقبتك قناع حديدي بالكاد تستطيعين الرؤية والاستماع إلى ما يدور حولك مغلق على لسانك بإحكام من الداخل، سكين حادّ وملتف حول معصميكِ وقدميكِ سوار حديدي، بعد ما أنتهي من حديثي سيبدأ بسكب سائل يصل لدرجة الغليان كل خمس ثوان وستصاب اليد والقدم بتشوه لا يمكن تجميله مجددا أبداً، وكذلك السائل سيهبط على أنحاء متفرّقة من جسدك وللأسف سيتشوه جسدك الجميل للأبد..
حسناً القرار لك في النهاية إما أن تقطعي لسانك بالضغط على الزر الموجود أسفل يدك اليسرى مباشرة بقوّة حتَّى ينقطع بسرعة، وإما تشوّه بالغ الأثر للأبد.. الجميع في هذه الدنيا يجب أن يحاسب على أفعاله..
صوت انقطاع البثّ عن التلفاز أصابها بالرعب العظيم.. تسارعت دقّات قلبها وعيناها تكاد تخرج من محجرها من شدّة الرعب.. ما هي إلّا ثوان وانطلق السائل بعشوائيّة على أماكن متفرّقة من جسدها.. فــراح يأكل من جلد جسدها بنهم كان ذلك حقاً مؤلماً أكثر من ألم الحريق، لكن حتَّى الصراخ لم تستطع أن تقوم به..
لم يكن أمامها سوى الضغط سريعاً وبقوّة على الزر الَّذي سيقطع لسانها ويفقدها النطق للأبد، ولكنها على الأقل ستكمل حياتها.
ظلّت تضغط باستمرار ومع كل ضغطة ضربة من السكين على لسانها.. ألم بشع أصابها كانت الصرخة بداخلها تحرق نيران بلد بأكملها، ظلّت تضغط كثيراً ولكن لم تربح سوى ضربات السكين والسائل يحرقها حتَّى احترق جسدها كاملاً وبمنتهى الألم صرخت..
وقعت من على سريرها بقوّة.. لم تكن تصدق أنه مجرّد كابوس عادي حرفياً كانت تشعر بكل الألم وكأنه حقيقيّ تماماً ظلّت تتحسس وتفحص جسدها بسرعة ولهفة تتأكد أنّها على قيد الحياة.
نهضت بسرعة متوجّهة إلى المرآة تنظر بدقة إلى وجهها وكامل جسدها الَّذي يبدو عاديًا مثل ما هو تأكدت أنه مجرد كابوس مزعج مؤلم جعل العبرات الملتهبة تتلألأ في مقلتيها فتحدثت بصوت عالٍ باكِ:
بالتأكيد هذا الكابوس الفظيع تأثير سلبيّ من أفلام الرعب الَّتي أشاهدها يوميًا قبل نومي مباشرة، يبدو أنها أثّرت كثيراً على نفسيتي وأصبحت أشاهدها في أحلامي أيضاً. الحمد لله أنّه كابوس وليس حقيقة الحمد لله..
كانت لأول مرة تحمد الله على شيء، وكأنها حديثاً أصبحت موحدة بالله حياتها فارغة فارهة لا تعرف أي شيء سوى الاستهتار والاستهزاء بمن هم أقلّ منها، لا تعرف أي شيء عن دينها وتعاليمه...!
كانت السّاعة تقارب الثّالثة صباحاً تقريباً.. دخلت المرحاض كي تضع بعضًا من قطرات الماء البارد على وجهها وعنقها كي تخفف حرارة ما تشعر به من خوف ورعب.
تسرب إلى أذنها صوت عذب يرتل آيات من القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ" صدق الله العلي العظيم.
رعشة قويّة هزت قلبها فهبطت الدموع من عينيها لم تعلم لماذا تشعر بذلك، ولكن كل ما يفهمه قلبها الآن أنها على خطأ كبير لم يفهمه عقلها حتَّى تلك اللحظة إنما قلبها فقط من يفهم وتأثر بذلك الشعور بأنها مذنبة مخطئة...!
تلك الآيات كانت تنبعث من الراديو الخاص بالخادمة الَّتي تنتظر آذان الفجر كي تؤدي فرضها بحبّ واشتياق لله تعالى..
رأتها الخادمة عند باب المرحاض العام الَّذي يقع بالقرب من المطبخ فتعجبت من وجودها ولما لم تستخدم الخاصّ بغرفتها.
شعرت الخادمة أن سيدتها الصغيرة بها خطب جلل فهي لأول مرّة تراها تبكي بهذا الشكل فاقتربت منها بحذر خوفًا من ردود أفعالها العنيفة...!
قالت الخادمة بتردّد:
خير يا سيدتي ما بكِ هل أحضر لكِ كوبًا من الماء؟
انتفضت "ساندي" من صوت الخادمة وجحظت عيناها تشعّ رعباً وخوفاً وصل إلى الخادمة الَّتي استغربته كثيرًا فاقتربت منها متردّدة تقدّم يدها لتربت على سيدتها لكن بحذر شديد...!
بمجرد أن لمستها انهارت "ساندي" واحتضنت الخادمة بقوّة وأجهشت في البكاء فضمتها الأخيرة بحنو وأخذتها لتجلسها، وتقدّم لها الماء المختلط بقطرات الليمون لتخفف من حدة انهيارها.. بالفعل نجحت في تهدئتها فــشكرتها "ساندي" لأول مرة في حياتها وطلبت منها أن تظلّ معها لبعض الوقت فرحبت "الخادمة" وكانت لطيفة معها للغاية.. وطلبت منها بعض الدقائق لتصلي الفجر كي لا يضيع منها أداء الفرض بوقته والامتثال أمام ربّها بعد أمره وندائه لعباده لأداء فرائضهم ويصيب قلبها الحزن على ذلك...!
لم تعرف "ساندي" ماهيّة ذلك الشعور الَّذي شعر به كيانها كاملًا وهي تشاهد الصلاة لأول مرّة من التكبير إلى السجود، ولكنه شعور مريح ودّت لو فعلت مثل الخادمة ولكنها فشلت في تأكيد شعورها ذاك، فنهضت لغرفتها لتفكر وحدها فيما أصابها وتغيير قلبها الَّذي لم يعرف للبكاء طريق من قبل وكأنه قطعة حجرية..
ما ذلك الكابوس الَّذي لا يفارق عقلها هي متأكدة تماماً أنها شعرت بتلك الآلام الحادّة كأنها فعلاً أصابتها، ظلت تفكر حتَّى غلبها النعاس مرّة أخرى رغماً عنها...!
نفس المكان.. نفس الرائحة الكريهة.. نفس الشعور.. هي الآن ممدّدة على طاولة خشبية لزجة مقيدة.. منفرجة اليدين.. تلهث بقوّة بأنفاسٍ غير منتظمة، تحاول أن تستوعب كل تلك الآلام الَّتي تلتف بمعصمي يديها الاثنتين وكأن نصل سكين حادّ يقطع أوتارها..
بالنظر للأعلى فوق رأسها تجد آلة غريبة متصلة بإبر طويلة ورفيعة، ويبدو من لمعانهن أنهن قاطعات حادات بقوّة تخيف القلب من أول نظرة لها...!
أضاء التلفاز القديم أمامها مرّة أخرى وصدر منه نفس الصوت الآلي ومشهد الرجل صاحب الوجه الملطخ كالمهرج، والَّذي هتف بثقة بصوت غليظ آلي:
مرحبا ساندي أودّ أن ألعب لعبة...
صرخت برعب عندما أيقنت أنها ستعيش نفس التجربة ثانية، وقبل أن يتابع حديثه قالت بصراخ فزع:
من أنت وماذا تريد مني سئمت منك حقًا...؟
أجابها بعد أن ضحك بصوت مستفز:
أنا هنا من يتكلّم وينتقم لكل من دخل في محيطك الظالم هل نسيتِ تلك المسكينة الَّتي تدعى "زينب" ودموعها الَّتي لم تجف حتَّى الآن، أنا هنا كي آخذ بثأرها منكِ أيتها المتجبرة.
لاااااا سأعتذر منها وأطلب رضاها، لكن ارحل عني ولا تريني وجهك مرّة أخرى أرجوك فإنني لن أتحملك أكثر.
فات الأوان أنتِ هنا في قبضتي الآن ولن أحلّ وثاقكِ قبل أن أجعل منكِ عبرة لمن يعتبر لمن هو ظالم مثلكِ.
اشتدّت قبضة السكاكين الحادّة على معصميها مما جعلها تصرخ بانهيار من شدّة الألم، دلفت الخادمة إلى غرفتها لتطمئن على حالها بعد أن رأتها في تلك الحالة فوجدتها ترتجف وتئن في نومها، ويبدو عليها أنها ترى كابوساً مرعباً فحاولت إيقاظها بهدوء فانتفضت ساندي صارخة بقوّة حتَّى تيقنت أنها كانت تحلم مرّة أخرى، احتضنت الخادمة بخوف وضعف شديد فضمتها الخادمة إلى صدرها بحنو شديد ومسحت على شعرها بهدوء وهي تتلو فوق رأسها ما تيسر لها من آيات القرآن الكريم، حتَّى سكنت بين ذراعيها فنصحتها أن تنهض وتصلي علها تكتسب من صلاتها الصلابة والهدوء فوافقت ساندي على الفور لكنها لا تعلم كيف تصلي فكانت معها الخادمة بكل تفاصيل الوضوء والصلاة.. بعد أن صلّت كما يجب وخشعت إلى ربها شعرت بالرّاحة بين جنباتها لكن لسبب ما لا تعرفه شعرت بحاجة شديدة للتحدّث عمّا فعلته مع زينب صباح اليوم فكان ردّ الخادمة:
يا الله ماذا بينك وبين الله يا زينب، ماذا فعلتِ لكي يعود لكِ حقكِ بتلك السرعة يا ابنتي. إنها بالتأكيد دعوة المظلوم.
لم تحتمل ساندي أن تعاني من ذاك الكابوس مرة أخرى، فعزمت على طلب السماح سريعاً من تلك الفتاة المسكينة بأي طريقة ممكنة فذلك لم يكن كابوساً عادياً بالنسبة لها أبدًا، فكل ألم شعرت به علمت وتيقنت أنه انتقام من الله وتحذير لها بألا تجرب أن تظلم أحدًا من عباده، ذهبت إلى الجامعة ما إن أشرقت الشمس، بحثت بعينيها وروحها عن زينب فلم تجدها فأسرعت في طلب عنوانها بسرعة من إحدى تابعاتها فنفذت لها أمرها فورًا فركضت ساندي إلى منزل زينب وهي تبكي طوال الطريق، بعد أن أخبرت والدة الأخيرة أنها زميلة لها بالجامعة وأتت للاطمئنان عليها، أخبرتها الأم أن زينب مريضة بعض الشيء لكنها مستيقظة بغرفتها تصلي منذ البارحة لم تبارح سجادة صلاتها ولا مصحفها فاستأذنت ساندي للدخول إلى غرفتها فوجدتها ساجدة تقول بصوت مسموع "يا رب حسبنا الله ونعم الوكيل".
دقّ قلب ساندي بعنف من شدة خوفها من دعاء زينب عليها فجلست تحت قدميها تقبلهما قائلة بتوسل وذلّ كبير
استحلفكِ بالله أن تسامحيني وتغفري لي خطئي وتكبّري وعنادي، أنا حقًا آسفة إنني على استعداد أن أظلّ تحت قدميك لبقيّة حياتي ولكن سامحيني أرجوكِ.
ارتفع صوت بكاء زينب وهي ساجدة وتقول:
يا رب ما أعظمك لجأت لك وأنا مظلومة واشتكيت لك ضعفي وقلّة حيلتي فلم تردني إلا منتصرة مرفوعة الرأس، اللّهم لك الحمد ولك الشكر.
ظلّت تحمد الله كثيراً كثيراً قبل أن ترفع رأسها من السجود وتنتهي من صلاتها لتوجّه بصرها إلى ساندي المنتفخة العينين الباكيتين لتقول بهدوء وصبر:
سأسامحكِ لكن عفوي عنك مرهون بشرط صغير.
اقتربت ساندي لتقبل كفيها وهي تقول بلهفة:
اطلبي ما شئتِ فإنني سأحاول بكل قوّتي أن ألبي مطالبك.
سأعلمكِ الصلاة والصيام والقيام، سأكون دليلكِ في معرفة أمور دينكِ كلها وستساعدينني في ذلك.
ضحكت من بين عبراتها لتقول بامتنان كبير:
بعثك الله لي يا زينب وأنا على أهبة الاستعداد لذلك فأنا أفقت من غفلتي على يديكِ، وأودّ أن أكون عند الله مثلكِ مستجابة الدُّعاء والهداية لي سبيل.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.