أغلق عينيه متمنيًا لنفسه ولمن تشاركه العرين أن ينهضا على منظر جميل، فقد سئِما المكان، ويريدان تغييره في الحال، إضافة لتلك المخلوقات التي تعيش حولهما فقد أصبحا يتوجسان خِيفة من انقلابها عليهما، فلطالما تسللت خفية من أجل التجسس وإلقاء النظرات الطامعة فيما لديهما.
لقد أحضر صديقنا منذ يومين فاكهة طازجة لكن سرعان ما انتشر الخبر والرائحة في أرجاء المكان، وبحكم عيشهما في الخلاء، ولا يملكان بابًا يسدانه ولا نافذة يغلقانها على نفسيهما فقد حامت حولهما الأفواه من كل جانب.
لقد أتى القرد، وتسلل إلى المكان، والتهم الموز الموجود وترك القشور، وفضلاته ملأت المكان، وكأني بهما في مسرح هواء طلق، الكل يؤدي دوره ويمرح ليأتي غيره وهكذا.
لقد أسرَّت له اللَبّؤة يومًا أن الثعلب يرمقها من حين لآخر بنظرات غير مريحة، وأنه حاول الاقتراب من حيزها، وقد أزعجها ذلك، ليرد عليها:
- لا تبالي، فهو مجرد ثعلب، ولن يستطيع الاقتراب أكثر؛ لعلمه بأنكِ معي، فأنا الأسد، ولا أحد يستطيع أن يغامر بالدنو نحونا.
لترد عليه وقد ازدادت استياءً:
- حتى عندما أخرج معك تقف بعيدًا أو تتأخر عني وتتركني أمشي في المقدمة، ثم لماذا يومًا حين كان الثعلب يتلصص أمام عريننا لم تخرج وتزأر مثل السابق؟ لقد أمسى الجميع لا يهابك، بل حتى إني لمحت يومًا القرد ينظر ناحيتي وهو يغمز بعينه..
في الواقع لقد باتت حياتهما كلها شجارات، وإلقاء اللوم على بعضهما البعض هي السمة الغالبة عليها، حتى إنه يومًا أقامت الحيوانات حفلة ساهرة أمام عرينه، ولم يُحرك ساكنًا؛ لتبدأ المناوشات، والكلام النابي يملأ المكان.
فتدفع اللَبَّؤة بصديقنا خارجًا من أجل إبعادهم عن المنطقة لِمَا سببوه من إزعاج، لكنه أبى أن يخرج ولم يراوح مكانه، بل طلب منها هي الخروج.
وبمجرد أن أطلت برأسها وجدت أمامها أفعوانًا يسترق النظر محاولاً التسلل داخل العرين لتهرع إلى شريكها محاولة جرَّه إلى الخارج من أجل التصدي له فيتسمَّر في مكانه، فعلاً لقد خرجت الأمور عن السيطرة وبات الوضع يُنذر بكارثة.
أما أطفالهما فحدِّث ولا حرج، فكل يهيم بواديه، فشبلهما الصغير نراه دائمًا وهو عائد من درس تعلّم الصيد الذي يُشرف عليه السلوقي والذي لم يستطع كتمان سؤالٍ لطالما أراد أن يوجهه إلى الليث إلى أن جاء اليوم الذي دار فيه بينهما هذا الحوار:
- لماذا لا تأخذ دروسًا حول الصيد لدى والدك، فهو ملك الغابة وزعيم الصيد؟ - لا أدري، يقول لي دائمًا إنه مشغول، ولكنني أراه يوميًا يتشاجر مع أمي، أعتقد أنه ليس لديه الوقت الكافي.
- لكنه يملك مورثات جينية لمهارة الصيد، وهو من عليك أن تتعلم منه التقنيات ولست أنا، ثم إنني مجرد مساعد ثانوي، ولا أملك تلك الخبرة العالية التي يحملها والدك، وأحياناً لا أصطاد، بل آت بالطريدة لا غير.
- لكن لماذا أنت هزيل هكذا؟
يسأله الليث.
- فعلاً أنا كذلك، وهذا لأنني أقضي جُلَّ وقتي في الجري وراء الطريدة بعد أن يصيبها الصياد فأحضرها له، والأهم من ذلك أني أتبع نظامًا قاسياً يحوي الأرز والزيتون والتمر والخبز، أما اللحم فإني أتناوله مطبوخًا لكيلا أستسيغ الطريدة وآكلها.
في الواقع لقد باتت سمعة صديقنا الأسد على المحك، فهو بالرغم من الثقة التي يمتلكها والتي تكفيه العيش دهرًا.
لكن مع ذلك فهو لم يطوَّر من مهاراته ويعتقد أن الجينات التي يحملها من أجداده ستكفيه، وأنه سيجد الميدان مثل السابق، وهو لا يعلم بأن الوضع تغيَّر فقد أصبح الكل يريد أن يُثبت نفسه.
لقد جلس يومًا يُقَطِّعُ طريدة كان قد أحضرها منذ يومين، لتفزع زوجته من الوضع الذي آلت إليه أسرتهما وتسأله:
- منذ متى ونحن نأكل الجيفة، ألم نكن نحضره طازجًا لم يمسسه أحد، فنتلذذ بأكله مع صغارنا، وحين ننتهي منه نرمي به إلى الضبع ليأخذ البقايا؟ ألم تقف حيوانات الغابة مأسورة بصيدك للفرائس؟
ألم يكن السلوقي أحد تلاميذك، أما الآن فقد أضحى هو من يُلقن ابننا أبجديات الصيد، ألا يدعو هذا إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام أمام الوضع الذي حلّ بنا؟
أحسنت...أتمنى أن يلهمك قلمك و يخط لنا تتمة لهته القصة المشوقة
😍🙏🏻
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.