سقطت نملة على فيل فقالت: المعذرة أيها الفيل الكبير، لم أقصد ذلك، هل تأذيت؟ تعجب الفيل من اعتذارها وقال لها: لماذا تعتذرين أيتها النملة الصغيرة من الفيل الكبير؟
قالت: قد سقطت عليك فخشيت أنني قد أوجعتك بسقوطي، أو لا سمح الله قد كسرت عظامك في موضع سقوطي. ضحك الفيل ضحكة المعجب والمعتز بنفسه وقال:
أنتِ أيتها النملة الحقيرة سوف توجعينني بسقوطك؟! أو قد تتكسر عظامي أو تتأذى مفاصلي؟!
من أنتِ أيتها الصغيرة النكرة حتى توجعينني بسقوطك، وأنا الفيل الكبير والقوي؟ ورمقها بنظرة استهزاء وعنجهيَّة وكبرياء المتكبرين. صُعقت النملة من ردِّ هذا الفيل المتكبر والمعتز بنفسه، لدرجة أنه قد نال من قلبها الصغير والمليء بالحب والإيمان. قالت: إني لم أقصد الاستهزاء بك، ولقد قلت ذلك بنية طيبة وعفوية.
رد الفيل وقال: لا تبرري أيتها الصغيرة والضعيفة، وإلا دهستكِ بقدمي الكبيرة حتى أسوِّيكِ بالأرض. ثم التفت بعيدًا وذهب وهو معتد بنفسه وبقوته ولا يبالي بخاطر هذه النملة الذي كُسر، ونسي أن القوة لله وحده. وفي الوقت نفسه توقفت النملة وتجمدت في مكانها تبكي وترتجف من هول الصدمة التي تعرضت لها من هذا الفيل المتكبر والمغرور. فقررت أن تترك ذلك لله سبحانه وتعالى ليحكم بينهما بما يشاء.
ومرَّت الأيام تلو الأيام وذهب كل منهما في طريقه. وفي أحد الأيام، كان الفيل يأكل النباتات، فمرَّ بجانب حقل من الشعير، فأُعجب بمنظره المخضر والمثمر، ورأى عيدانه المليئة بحبات الشعير، فسال لعابه وذهب مهرولًا إليه، وأقبل على هذا الحقل وأخذ يلتهمه بشراهة.
وفي لحظة من اللحظات وبينما هو مستمتع بأكل الشعير وتذوق حباته اللذيذة سقطت إحدى حبات الشعير في أذنه. فتنبه أن إحدى حبات الشعير قد نالت منه وسقطت في أذنه الكبيرة، وأخذ يصرخ ويتوجع من الألم وهو يحاول إخراج هذه الحبة، ولكن دون فائدة؛ فقد علقت تلك الحبة في الداخل وفي موضع عميق ولا يستطيع استخراجها بنفسه، فأُصيب هذا الفيل بالجنون وأخذ يتخبط ويصارع الألم وينادي في الغابة لعل أحد الحيوانات يستطيع مساعدته، ولكن دون جدوى.
فقرر الذهاب إلى ملك الغابة؛ لعله يجد عنده الدواء الشافي أو ينقذه من هذا الألم. ولكن ملك الغابة اعتذر وقال له إنه لا يملك طريقة مناسبة لشفائه، ونصحه ملك الغابة أن يذهب إلى الحكيم لعله يجد دواء لما أصابه أو يستطيع نزع هذه الحبة حتى يتخلص من الألم. وأيضًا أخبره حكيم الغابة أنه لا يمكن انتزاع تلك الحبة إلا بطريقة واحدة وهي أن يطلب من ملكة النمل أن تجعل أحد أتباعها يدخل إلى أذن هذا الفيل ويحاول استخراج تلك الحبة.
فصُعِق الفيل، وتذكر حديثه مع ملكة النمل من قبل، وكيف كان متكبرًا معها وسليط اللسان. فقال في نفسه: هل يمكن أن تقبل تلك النملة مساعدتي بعد ما كان مني؟ فقرر الذهاب والمحاولة. فذهب إليها وهو يتخبط يُمنة ويُسرة ليطلب المساعدة منها، وقد أذهب هذا الألم كبرياءه السابق واعتزازه بنفسه وتكبره.
وعند وصوله إليها، قال: أيتها النملة، أنا بحاجة للمساعدة منك، ولقد نصحني حكيم الغابة أنه لا يستطيع أحد مساعدتي إلا أنتِ، وأنا أتذكر ما حدث بيني وبينك من قبل، وأعتذر عما حدث بيننا فهل يمكنك مساعدتي؟ فقالت النملة الطيبة: لا بأس عليك، نحن جميعًا خلق الله ويمكن أن نخطئ أو نصيب.
كانت مبتسمة ابتسامة لطيفة يملؤها الحب والإيمان بقوة الله سبحانه وتعالى وعدله. فساعدته وأمرت أحد اتباعها باستخراج تلك الحبة من أذن الفيل وتخليصه من هذا الألم الذي أصابه.
وبسبب تلك الحبة التي سقطت في أذن الفيل تعلَّم الفيل الدرس، وزاد إيمان النملة بحكمة الله وعدله بين مخلوقاته. ومن خلال هذه القصة نتعلم نحن أنه لا يمكننا أن نتكبر أو نحتقر أو نظلم بعضنا بعضًا؛ فلنا رب لا يضيع عنده شيء، ومن أسمائه العدل، والأيام والأقدار تدور على الجميع بحكم الله وقضائه، وربما في أحد الأيام سوف يغير الله تلك المواقع والمواضع؛ فيأخذ للضعيف حقه، ويسلب من القوي قوته، ويتحقق عدل الله في خلقه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.