جلس رجال عدة من مهن مختلفة منهم الصياد والسباك وتاجر الخضار وسائق التوكتوك، كل منهم يشكو همَّه من قسوة قلوب التجار وطغيانهم الذي تسبب في الغلاء الفاحش الذي أصبح غولًا يلتهم من يقابله.
قال الصياد: والله أنا لا أتجرأ على الوقوف أمام محل جزارة. وقال تاجر الخضار: عليك بتربية الدجاج. وفي ثوانٍ قام بعملية حسابية لمعرفة تكلفة تربية الدجاجة الواحدة، وعرض تكلفتها، ثمن الكتكوت أربعون جنيهًا، وأربعة كيلو جرامات عليقة بمبلغ مئة جنيه، وأدوية وكهرباء وخدمة بمبلغ خمسين جنيهًا، إذًا تكلفة الدجاجة مئة وتسعون جنيهًا، وإذا ربَّيت عشرة كتاكيت فستصل التكلفة إلى ألفي جنيه، وهذا مبلغ غير قليل.
وقال سائق التوكتوك: ما يحدث الآن بسبب ذنوبنا جميعًا، من تعامل بالربا وقطع الأرحام والكذب والرشوة وعدم صفاء القلوب والرضا لقضاء الله.
وقال السباك: معك كل الحق؛ بسبب الذنوب نستحق ما نحن فيه، نحن نسمع عن حوادث كثيرة؛ ابن يقتل أمه من أجل المال، وأخ يقتل أخاه، وفسدت العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة، وأصبح همُّ الواحد منا المال فقط، لا يهم من أين اكتسبه، وتعلقنا بالعبد وصرنا عبادًا لبعضنا بعضًا، وفسدت القلوب؛ وبذلك فسدت الأبدان، وتهنا في ظلمات كثيرة.
وأضاف تاجر الخضار: هل قلوبنا على بعضنا بعضًا؟ بالطبع لا، هل تعلَّقت قلوبنا بالله الواحد الرزاق؟ لا وألف لا. لو كل واحد منا أوكل أمره لله، وتعلَّق قلبه بالله، لكان لنا شأن آخر. فالغلاء ليس غريبًا عنا، عشناه أيام الخمسينيات والستينيات، لكن المجتمع كان مترابطًا، والقلوب موحدة متعلقة بالله. الفقر في الماضي كان أشد، أذكر أننا كنا نعيش في دور واحد، وكل أسرة قد تكون مكونة من خمسة أفراد تعيش في حجرة واحدة مع عدم توفر المياه والكهرباء، فقد كانوا يستمدون الضوء من لمبة جاز، والبوتاجاز كان موقدًا من الطين والطوب، القرية بكاملها لا يوجد بها إلا راديو واحد أو تليفزيون واحد، وإذا صنعت أسرة خبزًا تعطي منه الجيران كافة، كنا نلبس ملابس لا أعرف عدد الرقع بها، ولا يوجد بالمنزل سوى جلباب واحد للمناسبات، العائلة كلها تلبسه، يلبسه الرجل ويؤدي واجب المناسبة ويعود يخلعه ثم يلبسه غيره يؤدي الواجب ثم يلبسه غيره وهكذا. ومع ذلك فقد تربى رجال لهم قيمة.
أما اليوم فحدِّث ولا حرج، كل الوسائل موجودة من طعام بمختلف الأنواع، وثياب باهظة الثمن، ومعلومات كثيرة متوفرة، وتكنولوجيا مبهرة، لكن الترابط الاجتماعي سيئ، والأخلاق متدنية، والجريمة استفحلت وتوغلت، والقلوب ممتلئة بكل قبيح. إذًا فالغلاء والفقر ليسا هما السبب، فقد كانا قاسمًا مشتركًا في الستينيات، بل كانا أشد ضراوة من اليوم، ولكن كان المجتمع متجهًا ومتعلقًا بالله، وكانت تسود روابط المحبة والود والتعاون والتراحم بين الجميع. أما اليوم فالغلاء استفحل نعم، لكن القلوب اختلفت، ولم تعد تسعى إلى إرضاء الله والرضا بالقضاء والقدر. ورغم توفر كافة المواد الغذائية بمختلف أسمائها وأنواعها، ولكن لا يقدر على شرائها إلا صفوة المجتمع، أما الباقي فمكبلون عنها بقلائد الغلاء الفاحش والقهر الاجتماعي. وزاد الطين بلة انعدام الشفقة والتراحم، وزادت غلظة القلب بين الأخ وأخيه، والابن وأمه وأبيه، وارتفعت معدلات الجريمة والقتل والانتحار والفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي، وانتشر الربا.
نسنتتج من ذلك أن الغلاء ليس هو سبب معاناتنا، ولكن السبب هو قلوبنا وعدم التعلق بالله والسير على الطريق المستقيم، فلنرجع إلى الله حتى يزيح الله الغلاء والكرب والهم عنا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.