كان العم شيحة رجلاً كبيراً في السن، ومسؤولاً عن أسرة مكونة من زوجته أم أولاده الخمسة، وهم عبارة عن ولدين وثلاث بنات، جميعهم بالسنوات الدِّراسية المختلفة.
ولسوء حظه أو لنقول لسوء خلقه، لم يكن لديه أصدقاء، وحتى جيرانه لا يطيقونه، ولم يكن يستمر بعملٍ ما لعدة أشهر وأحياناً عدة أسابيع، وكثيراً ما كانت تنصحه زوجته بالهدوء والروية، وعدم الغلط أو الخوض في المشاكل مع الآخرين، ولكنه للأسف لم يكن يقتنع بما تقوله أو حتى ينصت لنصائحها الكثيرة والدائمة، وبرغم ذلك فهي أبداً لم تكل أو تمل من الكلام إليه ومحاولة إرشاده للطريق الصحيح من أجل صلاح حاله، وبالتالي ينعكس ذلك على معيشتهم وحياتهم ومستقبل أولاده.
ولكنه ذات يوم وهو عائد من عمل جديد التحق به منذ أيام معدودة، وهو بالباص جاءت جلسته بجوار شيخ وقور يظهر عليه الصلاح والهيبة ولأن المشوار كان طويلاً، حيث كان العمل في أول خط الباص والبيت الخاص به في آخر الخط، فقد تبادلا الأحاديث والحكايات، وتلقائياً لاحظ الشيخ الوقور عصبية وسوء أخلاق العم شيحة، وتهوره، وتطاوله في طريقة حديثه..
ولكن لأن الشيخ عاقل ويمتاز بالحكمة والرزانة، فقد بدأ يستدرج العم شيحة في الحديث ويتقرَّب منه أكثر فأكثر .. حتى ارتاح له العم شيحة، وانطلق في الحديث، وكأن هذا التعارف والتقارب جديد وغريب عليه، حقاً ذلك لأنه لا يعطي فرصة لأي شخص بالتقرُّب منه، ولأنه لا يستمر بأي عمل كثيراً، وكذلك صداقاته إن كان عنده أصدقاء أساساً، وأخيراً عائلته وجيرانه، وبدأ يسترسل معه ويصدقه القول ولم يخفِ عنه شيئاً.
ثم بعد كل حكاياته أخذ الشيخ يُعدِّد له العيوب والأخطاء التي يقوم بها مع الجميع، وقال له افرض أن كل هذه الأخطاء والعيوب تملؤني وتصدر مني، فهل كنت ستتقبلها بصدر رحب؟!
وهل كنت ستتحملها وتعيش معي ولا تبتعد؟! وهل تعتقد أن زوجتك وأبناءك وجيرانك وزملاءك بالعمل يحبونك ويتقربون منك أو يطيقون الجلوس والعيش معك؟! ذهل العم شيحة من صراحة ووضوح الشيخ الوقور، وشعر أنه ينتظر الإجابة منه، فهز رأسه بالنفي.
فقال له الشيخ: "يا أخي الفاضل العزيز نحن دوما نشفق على المساكين والمنكوبين أفلا تشفق على نفسك وترحمها من هذه الأفعال السفيهة والكريهة؟! أفلا تعامل الناس جميعا بالحسنى؟! أفلا تبدأ صفحة جديدة من حياتك الصالحة السعيدة الهانئة؟! وصدقني فسوف يعود كل ذلك عليك بالنفع في حياتك وأيضاً بعد مماتك بعد عمر طويل..
فطأطأ العم شيحة رأسه خجلاً وكسوفاً، ولكن عاجله الشيخ بالقول: لا أنتظر منك مجرد الخجل ثم العودة لما تعودت عليه سلفاً!
بالعكس أنتظر منك وعداً صريحاً وقاطعاً بعدم العودة مطلقاً لأفعالك السابقة، بل ابدأ التعامل الحسن والحميد مع الجميع وسترى العجب العجاب.
ووعده العم شيحة وودَّعه منطلقاً إلى منزله، حيث وجد زوجته وأبناءه الذين تفاجأوا من تغير معاملته جداً وحتى في نطاق الجيران وزملاء وأرباب العمل، وصدق الشيخ فقد تبدَّلت حياة العم شيحة للنقيض، حيث أصبح هادئاً سعيداً، ومرتاح البال، ومستقراً باقي حياته..
ستجد أيضاً على منصَّة جوَّك
- معلومات عن الكاتبة سارة النجار في اليوم العالمي للمرأة
- مسيرة النجم الراحل ثابت البطل
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.