دارت قصتنا في القرن الماضي، أما المكان فهو صعيد مصر جنوب البلاد، بلاد الحضارة والسحر والأساطير، في قرية صغيرة تقع في قلب الجبال، وُلد عبد القادر في أسرة بسيطة تعيش من الزراعة وتربية الماشية.
نشأ عبد القادر في بيئة قاسية، حيث تعلم منذ الصغر كيف يكافح من أجل لقمة العيش ومساعدة أهله. ورغم الصعوبات أظهر عبد القادر منذ صغره ذكاء وفطنة غير عاديين، وكان يحب التعلم، ويقضي ساعات طويلة في قراءة الكتب القديمة التي وجدها في بيت جده لأمه.
في سن الثامنة كان عبد القادر قد بدأ يتعلم في الكُتاب على يد إمام مسجد القرية، فقد أظهر مهارة في الحفظ والتلاوة؛ ما لفت له انتباه الجميع. لم يكن الطريق سهلًا ومفروشًا بالورود، فقد اضطر للعمل في سن العاشرة في الحقول بعد دراسته، ولكن شغفه بالعلم كان يدفعه للاستمرار. فقد كان حلمه أن يصبح عالمًا يشار إليه بالبنان، وأن يساعد أهله وقريته في النهوض من الفقر والجهل.
وفي شبابه قرر الشيخ عبد القادر الرحيل إلى المدينة طلبًا للعلم ومجالسة العلماء. هناك واجه تحديات جديدة، منها العيش في بيئة غريبة، وتحمل غلاء المعيشة، وخلافه. ولكنه استطاع بفضل عزيمته أن يتغلب على كل تلك الصعوبات.
اقرأ أيضًا: قصة «الغجر والفنان العاشق».. (1)
هناك التحق بأحد المساجد الكبيرة التابعة لمؤسسة الأزهر حيث درس على يد كبار العلماء، واكتسب معرفة عميقة في الفقه والشريعة والعلوم الأخرى.
لم يكن العلم هو الشيء الوحيد الذي تعلَّمه الشيخ عبد القادر في المدينة، بل تعلَّم أيضًا فن الخطابة والإقناع، فقد أصبح خطيبًا مؤثرًا يحضر الناس خطبه من كل مكان. وتميز بأسلوبه السهل والبسيط، الذي يمزج بين الحكمة والفكاهة؛ ما جعله محبوبًا لدى الجميع. وبدأ يحظى بشهرة واسعة، وكان الناس يلجئون إليه لحل مشكلاتهم ونيل نصائحه.
بعد سنوات من العمل والاجتهاد، عاد الشيخ عبد القادر إلى قريته، وقد تغيرت ملامحه وأصبح أكثر نضجًا وحكمة، لكنه ظلَّ يحتفظ بتواضعه وأصالته، وقرر أن يستخدم ما تعلمه لخدمة أهله ومجتمعه.
فبدأ في إصلاح الأمور وتحسين أوضاع القرية، وأنشأ مدرسة لتعليم الأطفال، وبدأ في تنظيم حملات لمحو الأمية بين الكبار، وأسهم في حل النزاعات بين أهل القرية بحكمته وسعة صدره.
كانت إحدى أهم مراحل حياته عندما أصبح وسيطًا بين القبائل والعائلات المتنازعة في قريته، وكذلك القرى المجاورة، حيث نجح في تحقيق السلام وإعادة الأمن بفضل حسن تدبيره وذكائه في حل المشكلات، وقوة شخصيته ورأيه الذي تقدره العائلات وتحترمه.
اقرأ أيضًا: قصة «الألم الصغير».. قصص قصيرة
لم يكن الشيخ عبد القادر عالمًا فقط، بل زعيمًا وقدوة للآخرين، يجمع بين العلم والعمل والحكمة والقول بالحكمة والموعظة الحسنة، ويضع مصلحة الجميع فوق مصلحته الشخصية.
استمر الشيخ عبد القادر في عمله إلى أن تقدم به العمر، فأطلقوا عليه شيخ المصلحين، فقد أصلح كثيرًا من عادات الصعيد البالية، من ثأر وسرقة وعصابات لقطع الطرق، وترك خلفه إرثًا من العلم والحكمة، وقصة كفاح تُروى للأجيال القادمة. فهو مثال للعزيمة والاجتهاد والنجاح والإصرار على تحقيق الأهداف على الرغْم من كل التحديات.
وأخيرًا، وتخليدًا لذكراه وعمله الطيب، أُنشئ أكبر مسجد يحمل اسمه في واجهة قريته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.