كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءً، عندما كان فريد يصعد درج سلم البيت المكون من 3 طوابق ليصل إلى شقته في الطابق الأخير.. 3 طوابق لا تستدعي تركيب مصعد، ولكن الصعود للطابق الثالث أمر شاق، هذه هي معضلة البيوت الصغيرة المكونة من 3 أو 4 طوابق لا تستدعي عمل مصعد كهربائي من أجل طابق واحد أو طابقين.
كان فريد يحمل كيسًا من الورق البني المقوى، مكتوبًا عليه اسم محل الشاورما القريب من البيت، فزوجته سافرت مع أهلها إلى الساحل الشمالي لتمضية شهور الصيف كعادتهم هي وابنتهما تمارا، واضطر هو للبقاء في القاهرة بسبب ظروف العمل.. أخيرًا وصل فريد إلى شقته وهو يلهث، وقف يستريح قليلًا ويلتقط أنفاسه وهو يفتش عن مفتاح الشقة في جيب البنطال الأيمن فوجده في الجيب الأيسر كالعادة، إذ إن المفتاح دائمًا يتحداه أن يجده من أول محاولة.
قبل أن يضع المفتاح في الكالون خُيِل إليه أنه يسمع صوت حركة داخل الشقة.. هل عادت سهام فجأة؟ مستحيل! كنت أحدثها قبل دقائق معدودة قبل أن أصل إلى البيت، لعله صوت من شقة الجيران؟ هكذا حدث نفسه.
فتح الباب بسرعة وأشعل أنوار الردهة، راح ينظر هنا وهناك فلم يجد شيئًا، تنهد ثم قال البيوت المتلاصقة تجعل الناس يسمعون دبيب الجيران كأنهم يعيشون معهم.. ثم وضع كيس الطعام على منضدة في وسط الردهة.
دخل فريد إلى غرفة النوم ليغير ملابسه، وقبل أن يشعل ضوء الغرفة صُعق من هول ما رأى.. لقد رأى على ضوء الردهة البسيط الذي تسلل لغرفة النوم شبحًا لشخص شديد السواد لا تظهر من وجهه إلا عينان جاحظتان تلمعان في الظلام، رآه يجلس على السرير لا يتحرك، فقط ينظر إليه نظرات حادة.. صرخ صرخة عالية ووقع على باب الغرفة وهو يحاول الهروب مرددًا ما هذا؟ ما هذا؟ من أنت؟
ظل فريد ملقى على الأرض بين الغرفة والردهة لا يقوى على النهوض، حاول أن يزحف خارج الغرفة لكنه تجمد في مكانه، أغمض عينيه وراح يتلو كل ما يعرف من آيات، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، فجأة وجد هذا الشبح يقف فوق رأسه ويتحدث قائلًا: لا تخف لن أوذيك! كانت الصدمة قد أفقدت فريد صوته، يريد أن يصرخ ويتكلم لكنه لا يقدر.
أخذ الشبح يطمئنه ويربت على كتفه ويكرر: لا تخف ثم أخذ بيده وأقعده على أريكة في الردهة.. ظل فريد مذهولًا حتى تمكن من إخراج صوته والسيطرة على نفسه، فقال بصوت خافت: من أنت؟ وماذا تفعل في بيتي؟ تكلم الشبح بطريقة غريبة متقطعة لكنها مفهومة، قال: جئت أحذرك من أفعالك.
رد فريد بصوت مبحوح: أفعال؟ أية أفعال؟ أنا لم أفعل شيئًا، هل فعلت لك شيئًا؟ قال الشبح: أنت لا تستطيع أن تفعل لي شيئًا.. أفعالك أنت تعرفها لن أقولها لك، إن حاولت أن تنكرها فسوف تكون نهايتك.
رد: ماذا تريد مني؟ قال الشبح: الحقيقة.. أريد الحقيقة أن تعترف بأخطائك وأن ترجع عنها.. قال فريد: لم أفعل شيئًا، فأعاد الشبح الكلام مرة أخرى وغضب وأخذ يهز رأسه كأن به مس جنون.
قال فريد: صدقني لم أفعل شيئًا لأحد، كل ما فعلته هذه الأيام أنني قبلت هدية في العمل من أحد العملاء بعد أن سهلت له صفقة في المصلحة التي أعمل بها، قال الشبح: هدية أم رشوة.. تكلم ما نوع الهدية؟
قال فريد: 50 ألفًا من الجنيهات.
قال الشبح: وماذا فعلت بهذا المبلغ؟ هل أنففته؟ قال فريد: لا لم أنفقه.
قال الشبح: أين هذا المبلغ؟ صمت فريد برهة ثم قال: في غرفة النوم لكن لماذا؟ قال الشبح: قم وأحضره، فقام فريد يمشي متثاقلًا إلى غرفة النوم والشبح يمشي خلفه، دخل غرفة النوم ثم وضع يده أسفل مرتبة السرير وأخرج ظرفًا أبيض منتفخًا، أخذ الشبح الظرف ونظر في داخله ثم عاد ليجلس على الأريكة في الردهة وفريد يجلس أمامه.
وضع الظرف بجانبه ثم استأنف استجوابه لفريد وقال له: ها.. أكمل، قال فريد: لا شيء، فنظر له الشبح فقال: لا شيء سوى أنني على علاقة مع زميلتي في العمل، ولكني نويت أن أقطع هذه العلاقة منذ مدة، فضحك الشبح فجأة ضحكة عالية لكنه سرعان ما عاد إلى صرامته وسأله: ما اسمها؟ قال فريد: هدى.. قال الشبح تقطع علاقتك معها للأبد مفهوم؟ قال فريد: مفهوم.
قال الشبح: الآن سوف أذهب من حيث أتيت وعليك أن تغمض عينيك حتى لا تصاب، ولا تفتحها إلا بعد نصف ساعة ولا تتحرك من مكانك، امتثل فريد للأمر وأغمض عينيه وظل جالسًا في مكانه، سمع صوت باب الشقة يفتح ثم يغلق، وبعد مدة فتح عينيه ليجد الرجل الشبح قد انصرف وظرف النقود لم يعد موجودًا، راح يلتقط أنفاسه ويردد كل الأدعية والصلوات، لم يستطع الدخول لغرفة النوم، أضاء كل مصابيح الشقة وظل ساهرًا حتى شروق الشمس لا يصدق ما حدث، فقط عندما بدأ يسمع أصوات النهار والطيور راح في نوم عميق.
لم يخبر أحدًا بما حدث، حتى زوجته التي أيقظته من النوم بعد أن تأخر في الاستيقاظ ولم يتصل بها في الصباح كعادته.
بعد عدة أيام وبينما كان يستعد فريد للذهاب إلى العمل في الساعة السابعة صباحًا سمع طرقًا شديدًا على الباب مصاحبًا لصوت جرس الباب أيضًا، عندما فتح الباب مسرعًا وجد شرطيًّا يسأل: هل هذا منزل فريد حسان؟ فأجابه فريد: نعم، أنا فريد حسان، قال الشرطي: أنت مطلوب للحضور أمام السيد المأمور، حاول الاستفسار من الشرطي عن سبب الاستدعاء لكن الشرطي أخبره أنه لا يعرف، اتصل بمديره في العمل ليستأذن عن عدم الحضور لأمر طارئ.
ذهب مع الشرطي إلى القسم، عندما دخل على مأمور القسم في مكتبه تعثر في الكرسي الموجود أمام المكتب، كاد أن يقع على المنضدة أمام الكرسي، فقال له المأمور اجلس يا أستاذ فريد لا داعي للقلق، ثم ضغط على زر أمامه فلم تمض ثوانٍ حتى دخل شرطي إلى المكتب وقال وهو يؤدي التحية للمأمور: أوامرك يا فندم، قال المأمور: أحضر المتهم سيد، فاستدار الشرطي وهو يقول: تمام سعادتك.
كان المأمور يرتشف رشفات متقطعة من فنجان قهوة أمامه مصدرًا صوتًا أشبه بنقيق الضفادع، وما إن انتهى منها حتى سأل: أخبرني يا سيد فريد هل تعرضت للسرقة منذ مدة؟ قبل أن يرد فريد أو يندهش دخل الشرطي وهو يدفع رجلًا أسمر، ما أن رآه فريد حتى كاد قلبه أن يتوقف، إنه الشبح الذي ظهر له في الشقة منذ أيام.
احسنتم في ثقافتكم
شكرا جزيلا لك 🏵🌻🍀
قصة مشوقة
شكرا جزيلا لك 🌹🏵🌻🍀
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.