جمعَ نبيلٌ مبلغًا من المال يزيدُ عن الألفي دولار حصاد المدة التي قضاها في غربته، وفي أحد أيام عطلته قرّرَ أن يذهبَ إلى مكان تحويل الأموال؛ ليرسلَ هذا المبلغ إلى أسرته ليعينهم في حياتهم، ويسددوا منه بعض الديون التي تركها خلفه بسبب نفقات السفر، لا سيما أنّ مبلغ ألفي دولار يعادل في بلادهم مبلغًا مقدرًا.
وقفَ نبيلُ على الطريق في صباح يوم عطلته منتظرًا سيارة الأجرة، كاد يطيرُ من الفرح؛ لأنّه سيرسلُ مالًا للمرة الأولى إلى أسرته الفقيرة، بعد دقائق من وقوفه ظهرت له سيارة الأجرة، أوقفها وركبَ وانطلقَ به نحو وجهته.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (1)
سائقُ السيارة رجلٌ في الخمسينيات من عمره، بدأ الحديثَ مباشرةً مع نبيل، فسأله:
- من أين أنت؟
- أجابه نبيلُ: من السودان.
أصبحُ صاحبُ التاكسي يرسلُ السؤالَ تلو السؤال، ونبيلُ يجيبُ بكلّ عفويةٍ وطيبة حتى وصلتِ الجرأةُ به أن يسأله عن سبب ذهابه، فأجابَ نبيلُ بصراحته المعهودة:
- أنا ذاهبٌ لأرسلَ مبلغًا من المال إلى أهلي في السودان.
من الحديث عرفَ سائقُ السيارة أيضًا أنّ نبيلَ يعمل في لبنان دون إقامة؛ أي إنّه يعمل دون أوراق قانونية، فذهب متعمدًا في طريقٍ فيه حاجزٌ للشرطة اللبنانية التي تسأل فيه عن الهوية والإقامة، وهذا ما يخشاه نبيل.
شاهدَ نبيلُ الحاجزَ من بعيد، فطلب من صاحب السيارة التوقف قبل الحاجز حتى ينزلَ؛ خوفًا من توقيفه، فكانت المفاجأة أنّ صاحب السيارة رفضَ التوقفَ، وهدّدَ نبيلَ بتسليمه للشرطة إذا لم يخرجْ المبلغ الذي معه كاملًا ويسلّمه إليه.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (2)
توقفَ صاحب السيارة على بعد أمتارٍ قليلةٍ من الحاجز؛ ليحميَ نفسه من تدخل نبيل بالقوة، حاولَ نبيلُ فتحَ باب السيارة دون جدوى؛ لأنّه كان مقفلًا بالتأمين، أصبح نبيلُ أمامَ خيارين أحلاهما مرُّ: تسليم السائق المبلغ الذي معه أو دخول السجن، فاختار الأول، وفعلًا استلمَ السائق المبلغ من نبيل تحت التهديد، وأنزله من التاكسي وانطلق، وجدَ نبيل نفسه على الطريق العام بعد تعرضه إلى عملية النصب، ظلّ يمشي على أقدامه ثلاث ساعات حتى وصلَ إلى مكان عمله.
دخلَ غرفته وأغلق عليه الباب، وانفجرَ بالبكاء قهرًا من الظلم والنصب الذي تعرضَ إليه.
وفي مساء اليوم نفسه سمعَ نبيل طرق باب غرفته فوجده أحد أقاربه الذي جاء لينقل لنبيل خبر وفاة والده، توفي والد نبيل قبل أن يحقق له نبيل حلم أداء فريضة الحج الذي كان ينتظره من ابنه، بكى نبيلُ للمرة الثانية بكاءً بحرقةٍ وألم، كان يومًا صعبًا وحزينًا عليه، بدأ بالنصب والاحتيال عليه وانتهى بوفاة أبيه.
تكتّمَ نبيلُ على خبرِ النّصب عليه، لكنّه لم يكتمْ وفاة أبيه، فواساه كلُّ من يعرفه في فقده الجلل.
كادَ الإحباطُ واليأسُ أن يتسللَا إلى نبيل، لكنّه سرعان ما استجمعَ قواه من جديد محاولًا عدم الاستسلام.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (3)
فكّرَ في تغيير عمله إيمانًا منه أنّ في كلِّ تغييرٍ خير، اتصل بأحد أقاربه اسمه صالح في مدينة طرابلس شمال لبنان مستفسرًا عن فرص العمل هناك، أخبره صالح بأنّ العمل متوافرٌ، وطلب منه المجيء إليه.
أخبرَ نبيلُ سكان البناية بأنّه سيترك العمل معهم، وطلبَ منهم البحث عن بديلٍ، وأمهلهم ثلاثة أيام لتوفير ناطور عنه؛ حتى لا يترك لهم البناية دون حارس؛ تقديرًا لهم ولمعاملتهم الطيبة معه.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (5)
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.