بدأ نبيلُ رحلة البحث عن عمل، اتَّصلَ بأقاربه في بعض المناطق الأخرى ليساعدوه في الحصول على عمل. وبعد أيام اتَّصل عليه أحدُهم ليخبره بوجود فرصة عمل في مسبحٍ على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وبالفعل ذهبَ نبيلُ واستلمَ العملَ، وتمَّ الاتفاق معه على مئتي دولار شهريًّا.
كان العملُ هو ترتيب أدوات المسبح، وتنظيفها، ومساعدة الزبائن في طلباتهم، لم يكن العملُ صعبًا على نبيل، ولكن الصعب فيه هو الجانب النفسي؛ لأنَّ نبيل لم يشاهد مثل هذه المناظر في حياته، ولا حتى على شاشة التلفزيون.
وجدَ نفسه وسط أناس يصعب وصفهم، رجال ونساء، بنات وأولاد، كلُّهم يرتدون ملابس داخلية فقط تسمى المايوهات وتُستخدم للسباحة، لا توجد أي خطوط حمراء بينهم، كلُّ شيء متاح.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (1)
فكَّرَ نبيلُ في رفض هذا العمل؛ فنبيل شابٌّ تحكمه تعاليمُ دينه الإسلامي، ولا يريد أن يجنيَ مالًا حرامًا من عملٍ فيه معصيةٌ لله. أقنعه أصدقاؤه بأن يعملَ حتى يجدَ البديل، فظلَّ نبيلُ يعمل بحذرٍ ويحاول أن يغضَ البصر ما أمكن. أخبرَ أصدقاءه بأن يبحثوا له عن عملٍ بديل. أصبح نبيلُ في صراعٍ نفسيٍّ كبير، وبدأ يلومُ نفسه على المجيء لهذا البلد، وصار يفكِّر في طريقةِ العودةِ إلى بلاده، واقتنعَ بأنَّ وجوده في هذا البلد سيكون خصمًا عليه خاصةً في علاقته بربِّه.
قرّرَ نبيلُ ألا تطول إقامته في هذا البلد، وأن يجمعِ فقط مبلغًا من المال يمكِّنه من العودة إلى بلاده.
بعد أيامٍ وجدَ نبيلُ عملًا في مكانٍ آخر، فترك العمل في المسبح دون ترددٍ، واستلم العملَ الجديد، وهو حراسة بناية، ويُسمى في لبنان (ناطور)، وظيفته مساعدة سكان البناية في احتياجاتهم اليومية، وغسل سياراتهم، وجلب الأغراض التي يحتاجون إليها من المحالِّ التجارية القريبة، وكذلك تنظيف مدخل وسُلَّم البناية.
سكنَ نبيلُ في الغرفة المخصصة للناطور التي كانت على مدخل البناية. ارتاحَ نبيلُ لهذا العمل؛ كونه لا يجدُ فيه ما وجده في العمل السابق وكونه غير شاق. أصبح نبيلُ يجلس أوقاتًا طويلة داخل غرفته يشاهدُ فيها التلفاز ويتابعُ الأخبارَ ويقرأ بعض الكتب التي اصطحبها معه، فهوايته المفضلة هي القراءة.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (2)
كلُّ ذلك الوقت ونبيل لم يتواصل مع أهله في السودان، ولا يعرف عنهم أي شيء؛ لأنَّ الاتصالات عند أهله معدومةٌ في ذاك الوقت، لا يوجد إلا هاتفٌ واحدٌ في القرية المجاورة لهم، إذا أردتَ أن تتصلَ على أهلك لا بدَّ من أخذ موعدٍ مسبقٍ والتنسيق معهم عبر صاحب الهاتف في تلك القرية، حتى في لبنان كانت الاتصالات العالمية مكلفةً وباهظة الثمن، ووضع نبيل المادي ما زال متعثرًا، فهو في شهره الثاني فقط في إقامته في لبنان.
تعرَّفَ نبيلُ على بعض السودانيين الذين يعملون في المنطقة وفي العمل نفسه، أصبح يزورهم ويزورونه من حينٍ لآخر، ويسهر معهم كلَّ ليلة سبت؛ لأنَّ يوم الأحد هو العطلة الرسمية للجميع في لبنان.
تأقلمَ نبيلُ مع الأجواء بعض الشيء وظلَّ على هذه الحال ستة أشهر.
اقرأ أيضًا: قصة «السفر إلى المجهول» (4)
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.