في عام 2004 تبرعتُ بالدم لا أريد مَنًّا ولا شكورًا، تبرعت به لقناعتي بأن التبرع بالدم لا يؤذي المتبرع، لكنه قد يكون سببًا في إنقاذ حياة إنسان.
وفي الشهر نفسه تلقيت مكالمة غريبة من امرأة قدمت نفسها أنها في الثلاثين من عمرها، ينادونها (أم علي).
أخذت أم علي تكيل لي المديح والدعاء، وأنا لا أفهم لِمَ كل هذا، ظننتها ستطلب مساعدة مادية أو عينية، لكنها أنهت المكالمة دون أن تفعل، أمر غريب ومُحَيِّر.
وبعد يومين اتصلت المرأة نفسها وقالت:
-أريدك في بنك الدم...
-قبل الدوام أم بعده؟
سألتها مترددًا؛ لأنني كنت أعلم أن زمرة دمي (-O)، ويلقبونني بِـ (معطٍ عام) ودمي مطلوب من الجميع.
أما أصحاب زمر الدم الأخرى (-A) و(A+)، و(-B) و(+B)، و(AB+) و(AB-) فإنهم يأخذون من أصحاب زمر دم كزمرهم، ومن زمرة المعطي العام، لكنهم لا يعطون إلا أصحاب الزمر التي تشبه زمرهم.
ومن الزمر الدموية ما تكون نادرةً في منطقة ما وكثيرة جدًا في منطقة أخرى، وهناك زمرة نادرة تسمى زمرة الدم الذهبي.
فعدد حاملي هذه الزمرة في كل العالم أقل من مئة شخص، نسبة كبيرة منهم تعيش في السعودية، وهؤلاء الناس يحتاجون إلى عناية فائقة ولا سيما حتى يكملوا حياتهم.
حسنًا أنا أعطي الجميع، ولكن لا آخذ الدم إلا من زمرتي فقط، ومن يحملون زمرتي نفسها قليلون جدًا في منطقتنا، ورب من قائل: أليس كله دم؟
بلى، لكن أدنى خطأ في الزمرة قد يكون قاتلًا، وكثير من الأطباء والممرضين فقدوا وظائفهم أو سُجنوا بسبب خطأ في الزمرة.
المهم تحاملت على نفسي بعد الدوام وذهبت إلى بنك الدم، كانت السيدة تنتظرني عند المدخل.
-هل تناولتَ الغداء أم استعجلتَ بالمجيء هنا؟
سألتني السيدة بابتسامة عريضة...
-سأتغدى لاحقًا، ما المطلوب؟
-اطلب، وأنا أنفّذ...
تجهَّم وجه السيدة فجأة، وبعد ثوينات انهمرت الدموع من عينيها، مسحت عينيها وقالت:
-ابني طفل صغير ومصاب بمرض التيليسيميا...
-أعرف هذا المرض، ابنك يحتاج باستمرار إلى دم، تفضلي، سندخل بنك الدم.
-ليس الآن، سندفع لك كل ثلاثة أشهر ألف دولار؛ لتتغذى وتتبرع لطفلي بالدم، ماذا قلت؟
- إنه عمل إنساني، ومرضى التيليسيميا تتكسر كريات دمهم الحمراء دائمًا، وعملية زرع نقي العظام نافعة لهم، وكذلك من يفقدون الدم من النزيف المستمر كالمصابين بالبلهارسيا يحتاجون إلى نقل دم باستمرار، كما حدث مع الفنان المشهور عبد الحليم حافظ..
ويزداد الطلب على دم الشباب الأصحاء في غرف العمليات وعند مرضى سرطان الدم وفي الحروب والحوادث كحوادث المرور مثلًا، والطريف في الأمر اصطدام رأسي بجدار وأنا مسرع، آلمني بعض الشيء..
لكن انتهى الألم وآثار الاصطدام بعد سويعات، وبعد حوالي تسع أو عشر ساعات، نزف أنفي بغزارة على غير عادة، لكن توقف النزيف بعد خمس دقائق، لم أشغل بالي..
لكنني صحوتُ من النوم فوجدت الوسادة منقوعة بالدم، قلقت، لكن لا أثر للدم في أنفي ولم أحس بضعف أو ألم، وعند الظهيرة عاودني النزيف، وكان غزيرًا أكثر من كل مرة، فذهبت إلى المشفى، وسألني الطبيب سؤالًا واحدًا:
-هل اصطدم رأسك بشيء؟ عندما تختفي آثار الاصطدام يتوقف النزيف، وعلى المريض إن شعر بالدوار والتعب خلال يومين أن يذهب إلى المشفى...
-مع السلامة...
وفي اليوم الثالث كان النزيف أكثر غزارة وبدأت أشعر بالدوار والضعف، فذهبت للمشفى كما قال الطبيب.
وهناك وجدوا معي ما يشبه فقر دم، وسألوني عن فصيلة دمي، فقلت لهم (-O) فاتصل الطبيب ببنك الدم الذي اعتذر عن تلبية طلبه لعدم وجود مثل هذه الزمرة في ثلاجاتهم.
صدفة، شاهدني مريض أو زائر، لا أدري، واندفع نحوي وحضنني وقال:
-أنت أنقذت حياتي يوم تبرعت لي بالدم، ففصيلة دمي (-O)...
والطبيب يسمع، فقال له الطبيب: أرجع له دمه حالًا، فهو بحاجة ماسة إليه.
فيا أيها القادر على التبرع بالدم إن التبرع بالدم لا يضر، وليس بخطِر فقد ينقذ دمُك الذي تبرعت به نفسك أو عزيزًا عليك أو على أهله أو على الوطن.
يونيو 13, 2023, 9:26 ص
كل مقالاتك وقصصك فيها فائدة غزيرة
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.